الفوكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب
لحمد بن ناصر بن عثمان بن معمر
المسألة الأولى
قالوا: ما قولكم فيمن دعا نبيًا أو وليًا
واستغاث بهم في تفريج الكربات، كقوله يا رسول الله أو يا ابن عباس أو يا محجوب أو
غيرهم من الأولياء والصالحين؟
الجواب:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من
شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وقفى أثرهم إلى آخر الزمان.
أما بعد، فإن الله تعالى قد أكمل لنا الدين، ورسوله قد
بلغ البلاغ المبين، وأنزل عليه الكتب هدى وذكرى للمؤمنين، قال تعالى: { الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْأِسْلامَ دِينًا }، وقال تعالى: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا
لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ
جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }، وقال تعالى: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي
هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ
ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
}. قال ابن عباس: تكفل الله لمن قرأ القرآن واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا
يشقى في الآخرة. [1] وقال تعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ
نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ
عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ }. وروى الإمام مالك في
الموطإ أن رسول الله ﷺ قال: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب
الله وسنة رسوله". [2]
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
"لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا
هالك". [3] وقال ﷺ: "ما تركت من شيء يقرب إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به
ولا شيء يقربكم من النار إلا وقد حدثتكم به". [4] وقال ﷺ: "عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم
ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة". [5]
فمن أصغى إلى كتاب الله وسنة رسوله وجد فيهما الهدي
والشفا. وقد ذَمّ الله تعالى من أعرض عن كتابه ودعى عند التنازع إلى حكم غيره فقال
تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى
الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا }.
إذا عُرِفَ هذا فنقول: الذي شرعه الله ورسوله ﷺ عند
زيارة القبور إنما هو تذكرة الآخرة، والإحسان إلى الميت بالدعاء له، والترحم عليه،
والإستغفار له، وسؤال العافية كما في صحيح مسلم عن بريدة قال: كان رسول الله ﷺ
يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: "السلام على أهل الديار -وفي لفظ-
"السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم
للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية". [6]
وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال:
"إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء". [7] وعن عائشة -رضي الله عنها-
عن النبي ﷺ: "ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون
له إلا شفعوا فيه". [8] فبعد الدفن أولى وأحرى.
فبدل أهل الشرك قولا غير الذي قيل لهم، بدلوا الدعاء له
بدعائه، والشفاعة له بالإستشفاع به، وقصدوا بالزيارة التي شرعها رسول الله ﷺ
إحسانًا إلى الميت سؤال الميت، وتخصيص تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة بنص
رسول الله صلى الله عليه سلم، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "الدعاء مخ
العبادة" رواه الترمذي. [9] وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله ﷺ:
"الدعاء هو العبادة" -ثم قرأ- رسول الله ﷺ: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ } الآية، رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [10]
ومن المحال أن يكون دعاء الموتى مشروعًا، ويصرف عنه
القرون الثلاثة المفضلة بنص رسول الله ﷺ ثم يتوقف الخلوف الذين يقولون ما لا
يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون.
فهذه سنة رسول الله ﷺ، وهذه طريقة الصحابة والتابعين لهم
بإحسان هل نقل عن أحد منهم نقل صحيح أو حسن أنهم كانوا إذا كان لهم حاجة قصدوا
القبور فدعوا عندها، وتمسحوا بها فضلًا عن أن يسألوا أصحابها جلب الفوائد وكشف الشدائد،
ومعلوم أن مثل هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، وقد كان عندهم من قبور
أصحاب رسول الله ﷺ بالأمصار عدد كثير فهم متوافرون، فما منهم من استغاث عند قبر
ولا دعاه، ولا استشفى به، ولا استنصر به، ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي ﷺ بعد
موته، ولا بغيره من الأنبياء، ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء، ولا
الصلاة عندها.
فإن كان في هذا أثر صحيح أو حسن فأوقفونا عليه، بل الذي
صح عنهم خلاف ما ذهبتم إليه. ولما قحط الناس في زمن عمر بن الخطاب استسقى بالعباس
وتوسل بدعائه وقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل
إليك بعمِّ نبينا فأسقنا فيسقون" كما ثبت ذلك في صحيح البخاري في كتاب
الاستسقاء من صحيحه.
ونحن نعلم بالضرورة أنَّ النبي ﷺ لم يشرع لأمته أن يدعوا
أحدًا من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة، ولا
بغيرها.
بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك
الأكبر الذي حرّمه الله ورسوله. [11] قال تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ
فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }، وقال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ
يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ
أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }، وقال تعالى: { فَلا تَدْعُ
مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ }،
وقال تعالى: { لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا
يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ } الآية، وقال تعالى: { وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ
اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ
الظَّالِمِينَ }، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا
يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ
سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ
بِشِرْكِكُمْ... }، وقال تعالى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ
فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ
يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ
مَحْذُورًا }.
قال مجاهد: يبتغون إلى ربهم الوسيلة هو: عيسى وعزير
والملائكة. [12] وكذا قال إبراهيم النخعي قال: كان ابن عباس يقول في قوله: {
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } هو:
عزير والمسيح والشمس والقمر. [13]
وعن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: عيسى وأمّه والعزير.
[14] وعن عبد الله بن مسعود قال: نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجن
فأسلم الجنيون والأنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم فنزلت هذه الآية.
ثبت ذلك عنه في صحيح البخاري ذكره في كتاب التفسير.
وهذا الأقوال في معنى الآية كلها حق فإن الآية تعمّ كل
من كان معبوده عابدًا لله سواء كان من الملائكة أو من الجن أو من البشر، فالآية
خطاب لكل من دعا من دون الله مدعوًا، وذلك المدعوّ يبتغي إلى الله الوسيلة ويرجو
رحمته، ويخاف عذابه، فكل من دعا ميتًا أو غائبًا من الأنبياء والصالحين فقد
تناولته هذه الآية.
ومعلوم أن المشركين يسألون الصالحين بمعنى أنهم وسائط
بينهم وبين الله، ومع هذا فقد نهى الله عن دعائهم، وبين أنهم لا يملكون كشف الضرّ
عن الداعي ولا تحويله، لا يرفعونه بالكلية، ولا يحولونه من موضع إلى موضع، كتغيير
صفته أو قدره، ولهذا قال { وَلاَ تَحْوِيلًا } فذكَرَ نكرة تعم أنواع التحويل، فكل
من دعا ميتًا من الأنبياء، أو الصالحين، أو دعا الملائكة، أو دعا الجن فقد دعا من
لا يغيثه، ولا يملك كشف الضر عنه ولا تحويلًا.
وهؤلاء المشركون اليوم منهم من إذا نزلت به شدّة لا يدعو
إلا شيخه، ولا يذكر إلى إسمه، قد لهج به كما يلهج الصبي بذكر أمّه، فإذا تعس أحدهم
قال: يا ابن عباس، أو يا محجوب، ومنهم من يحلف بالله ويكذب، ويحلف بابن عباس أو
غيره فيصدق ولا يكذب، فيكون المخلوق في صدره أعظم من الخالق.
فإذا كان دعاء الموتى يتضمن هذا الاستهزاء بالدين، وهذه
المحادة لرب العالمين، فأي الفريقين أحق بالاستهزاء والمحادة لله؟ من كان يدعو
الموتى، ويستغيث بهم، أو يأمر بذلك، أو من كان لا يدعو إلا الله وحه لا شريك له
كما أمرت به رسله، ويوجب طاعة الرسول، ومتابعته في كل ما جاء به.
ونحن بحمد الله من أعظم إيجابًا لرعاية جانب الرسول،
تصديقًا له فيما أخبر، وطاعة له فيما أمر، واعتناء بمعرفة ما بعث به، واتباع ذلك
دون ما خالفه عملًا بقوله: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ
وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }، وقوله
تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }.
ومعنا ولله الحمد أصلان عظيمان أحدهما: أنا لا نعبد إلا
الله، فلا ندعو إلا هو ولا نذبح النسك إلا لوجهه، ولا نرجو إلا هو، ولا نتوكل إلا
عليه وحده لا شريك له.
والأصل الثاني: أنا لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده
بعبادة مبتدعة. وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله محمدًا رسول
الله فإن شهادة أن لا إله إلا الله تتضمن إخلاص الإلهية لله، فلا يتأله القلب، ولا
اللسان، ولا الجوارح لغيره، لا بحب، ولا خشية، ولا إجلال، ولا رغبة، ولا رهبة.
وشهادة أن محمدًا رسول الله تتضمن تصديقه في جميع ما أخبر به، وطاعته واتباعه في
كل ما أمر به، فما أثبته وجب إثباته، وما نفاه وجب نفيه... وقد روى البخاري من
حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"
قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟، قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد
أبى".
إذا تمهد هذا فنقول: الذي نعتقده وندين الله به، أن من دعا
نبيًا، أو وليًا، أو غيرهما وسأل منهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، أن هذا من
أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين، حيث اتخذوا أولياء، وشفعاء يستجلبون بهم
المنافع، ويستدفعون بهم المضار بزعمهم. قال الله تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ
شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ- إلى قوله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ }.
فمن جعل الأنبياء، أو غيرهم، كابن عباس، أو المحجوب، أو
أبي طالب، [15] وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار،
بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون
الملوك حوائج الناس لقربهم منهم، والناس يسألونهم أدبًا منهم أنْ يباشروا سؤال
الملك، أو لكونهم أقرب إلى الملك، فمن جعلهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك،
حلال المال والدم، وقد نص العلماء رحمهم الله على ذلك وحكوا عليه الإجماع. قال في الإقناع
وشرحه: ومن جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم، ويدعوهم، ويسألهم كفر إجماعًا،
لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا
إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }، انتهى.
وقال الإمام أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي -رحمه الله
تعالى-:
لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع
الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم، إذْ لم يدخلوا بها تحت أمر
غيرهم، قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع. مثل تعظيم القبور، وإكرامها، والتزامها
بما نهى عنه الشرع، من إيقاد النيران، وأخذ تربتها تبركًا، وإفاضة الطيب على
القبور، وشد الرحال إليها، وإلقاء الخِرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى.
انتهى كلامه.
وقال الإمام البكري الشافعي -رحمه الله- في تفسيره عند
قوله تعالى: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ
إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }:
وكانت الكفار إذا سئلوا من خلق السموات والأرض قالوا
"الله" فإذا سئلوا عن عبادة الأصنام قالوا: ما نعبدهم إلى ليقربونا إلى
الله زلفى لأجل طلب شفاعتهم عند الله. فهذا كفرُ منهم. انتهى كلامه.
فتأمل ما ذكره صاحب الإقناع، وكذا ما ذكره ابن عقيل من
تعظيم القبور، وخطاب الموتى بالحوائج، وأن ّذلك كفر.
وقال الحافظ عماد الدين بن كثير -رحمه الله- في تفسيره
عند قوله تعالى: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا
نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }: أي إنما يحملهم على
عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين بزعمهم،
فعبدوا تلك الصور، تنزيلًا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله في
نصرهم، ورزقهم، وما ينوبهم من أمور الدنيا.
فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به. قال قتادة
والسديّ ومالك عن زيد بن أسلم، وابن زيد { إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ }
أي ليشفعوا لنا، ويقربونا عنده، ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في
جاهليتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. [16]
وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر
وحديثه، وجاءتهم الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- بردّها، والنهي عنها، والدعوة
إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وأنّ هذا شيء اخترعه المشركون من عند
أنفسهم لم يأذن الله فيه، ولا رضي به، بل أبغضه، ونهى عنه قال تعالى: { وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ }، وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ
إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }. وأخبر أن
الملائكة التي في السموات من المقربين وغيرهم كلهم عبيد خاضعون لله لا يشفعون عنده
إلا بإذنه لمن ارتضى، وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم يشفعون عندهم بغير إذنهم
فيما أحبه الملوك وكرهوه { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } تعالى الله عن
ذلك علوًا كبيرًا. انتهى كلامه.
وقال الإمام البكري -رحمه الله- عند قوله تعالى: { قُلْ
مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ
}: فإن قلت: إذا أقروا بذلك فكيف عبدوا الأصنام؟ قلت: كلهم كانوا يعتقدون بعبادتهم
الأصنام عبادة الله تعالى والتقرب إليه لكن بطرق مختلفة. ففرقة قالت: ليست لنا
أهلية عبادة الله تعالى بلا واسطة لعظمته، فعبدناها لتقربنا إليه زلفى. وفرقة قال
الملائكة ذو وجاهة ومنزلة عند الله فاتخذنا لنا أصنامًا على هيئة الملائكة لتقربنا
إلى الله زلفى. وفرقة قالت جعلنا الأصنام قبلة لنا في العبادة كما أن الكعبة قبلة
في عبادته. وفرقة اعتقدت أن لكل صنم شيطانًا موكلًا بأمر الله، فمن عبد الصنم حق
عبادته قضى الشيطان حوائجه بأمر الله، وإلا أصابه شيطانه بنكبة بأمر الله تعالى.
انتهى كلامه.
فانظر إلى كالم هؤلاء الأئمة وتصريحهم بأن المشركين ما
أرادوا ممن عبدوا إلا التقرب إلى الله وطلب شفاعتهم عند الله. وتأمل ما ذكره ابن
كثير، وما حكاه عن زيد بن أسلم وابن زيد ثم قال: وهذه الشبهة هي التي اعتمدها
المشكرون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بردّها
والنهي عنها. وتأمل ما ذكره البكري -رحمه الله- عند آية الزمر: أن الكفار ما
أرادوا ممن عبدوهم إلا الشفاعة. ثم صرّح بأن هذا كفر. فمن تأمل ما ذكره الله تعالى
في كتابه تبين له أن الكفار ما أرادوا ممن عبدوا إلا التقرب إلى الله وطلب شفاعتهم
عند الله، فإنهم لم يعتقدوا فيها أنها تخلق الخلائق، وتنزل المطر، وتنبت النباتـ
بل كانوا مقرين أن الفاعل لذلك هو الله وحده قال تعالى: { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ
مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ -إلى
قوله- فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ }، وقال تعالى: { وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }، وقال تعالى: { قُلْ
لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ
قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ.. } إلى غير ذلك من الآيات التي يخبر
الله فيها أن المشركين معترفون أن الله هو الخالق الرازق، وإنما كانوا يعبدونهم
ليقربوهم ويشفعوا لهم، كما ذكره سبحانه ففي قوله: { وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا
عِنْدَ اللَّهِ } فبعث الله الرسل، وأنزل الكتب ليعبدوه وحده، ولا يجعل معه إله
آخر.
وأخبر سبحانه أن الشفاعة كلها له، وأنه لا يشفع عنده أحد
إلا بإذنه، وأنه لا يأذن إلا لمن رضِيَ قوله وعمله، وأنه لا يرضى إلا التوحيد،
فالشفاعة مقيدة بهذه القيود.
قال تعالى: { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ
شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ، قُلْ
لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا }، وقال تعالى: { مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ }، وقال تعالى: { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا
بِإِذْنِهِ }، وقال تعالى: { يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ
أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا... }، وقال تعالى: { وَكَمْ مِنْ
مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ
أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى }، وقال تعالى: { وَلا
يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى
}، وقال
تعالى: { وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }.
وفي الصحيحين من غير وجه عن رسول الله ﷺ -وهو سيد ولد
آدم، وأكرم الخلق على الله- أنه قال: آتي تحت العرش فأخر لله ساجدًا. فيفتح علي
بمحامد لا أحصيها الآن، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك،
وقل يسمع، واشفع تشفع. قال فيحد لي حدًا ثم أدخلهم الجنة ثم أعود -فذكر أربع مرات -
صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر الأنبياء.
وقال الإمام البكري الشافعي -رحمه الله- عند قوله تعالى:
{ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ
لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ } نفى الشفيع وإن كانت الشفاعة واقعة في
الآخرة، لأنها من حيث أنها لا تقع إلا بإذنه كأنها غير موجودة من غيره وهو كذلك،
لكن جعل الله ذلك لتبيين الرتب. وجملة النهي حال من ضمير "يحشروا" وهي محل
الخوف، والمراد به المؤمنون العاصون. انتهى.
وقال أيضًا عند قوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ
الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا } دلّ أن
الشفاعة تكون للمؤمنين فقط.
وقال الحافظ عماد الدين بن كثير عند قوله تعالى: { قُلْ
مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ }: يقرر تعالى أنه لا إله إلا
هو لأنه معترفون أنه هو الذي خلق السموات والأرض، وهو ربها ومدبرها، وهم مع هذا قد
اتخذوا من دونه أولياء يعبدونهم، وإنما عبد هؤلاء المشركون معه آلهة يعترفون أنها
مخلوقة عبيد له. كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك
تملكه وما ملك. وكما أخبر عنهم في قوله: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } فأنكر تعالى ذلك عليهم حيث اعتقدوا ذلك
وهو تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ثم
إنه قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم يزجرهم عن ذلك وينهاهم عن عبادة من سوى الله
فكذبوهم. انتهى.
والمقصود بيان شرك المشركين الذين قاتلهم رسول الله ﷺ،
وأنهم ما أرادوا ممن عبدوا إلا التقرب إلى الله، وطلب شفاعتهم عند الله. وبيان أن
طلب الحوائج من الموتى والإستغاثة بهم في الشدائد أنه من الشرك الذي كفر الله به
المشركين.
وبيان أن الشفاعة كلها لله ليس لأحد معه من الأمر شيء.
وأنه لا شفاعة إلا بعد إذن الله. وإنه تعالى لا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله. وأنه
لا يرضى إلا التوحيد. كما تقدمت الأدلة الدالة على ذلك.
ومعلوم أن أعلى الخلق، وأفضلهم، وأكرمهم عند الله هم:
الرسل، والملائكة المقربون، وهم عبيد محض لا يسبقونه بالقول، ولا يتقدمون بين
يديه، ولا يفعلون شيئًا إلا بعد إذنه لهم، وأمرهم فيأذن الله سبحانه لمن شاء أن
يشفع، فيه. فصارت الشفاعة فيه الحقيقة إنما هي له تعالى، والذي يشفع عنده إنما شفع
بإذنه له وأمره بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه، وهي إرادته أن يرحم عبده. وهذا ضد
الشفاعة الشركية التي أثبتها المشركون ومن وافقهم، وهي التي أبطلها سبحانه في
كتابه بقوله: { وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا
وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ } الآية، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ
يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ }.
ولهذا كان أسعد الناس بشفاعة سيد الشفعاء يوم القيامة
أهل التوحيد، كما صرحت بذلك النصوص. فروى البخاري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: "أسعد الناس
بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه". [17]
وعن عوف بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ "أتاني آتٍ
من عندي ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة وهي
لمن مات لا يشرك بالله شيئًا". رواه الترمذي وابن ماجه. [18]
فأسعد الناس بشفاعة رسول الله ﷺ أهل التوحيد، والذين
جردوا التوحيد لله، وأخلصوه من التعلقات الشركية، وهم الذين ارتضى الله سبحانه،
قال تعالى: { وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى }، وقال تعالى: {
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ
وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا } فأخبر سبحانه أنه لا يحصل يومئذ شفاعة تنفع إلا بعد رضاه
قول المشفوع له وإذنه للشافع فيه وأما المشرك فإنه لا يرتضيه، ولا يرضى قوله، فلا
يأذن للشفعاء أن يشفعوا فيه، فإنه سبحانه علقها بأمرين رضاه عن المشفوع له، وإذنه
للشافع. فما لم يوجد مجموع الأمرين لم توجد الشفاعة، وهذه الشفاعة في الحقيقة هي
منه سبحانه، فإنه الذي أذن، والذي قبل، والذي رضي عن المشفوع، والذي وفقه لفعل ما
يستحق به الشفاعة.
فالرب تبارك وتعالى هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر
لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان
فيها شرك ولهذا أثبتها سبحانه بإذنه في مواضع من كتابه، وبين النبي ﷺ انها لا تكون
إلا لأهل التوحيد كما تقدم في حديث أبي هريرة وعوف بن مالك.
فمتخذ الشفيع مشرك، لا تنفعه شفاعة، ولا يشفع فيه، ومتخذ
الرب وحده إلهة ومعبوده هو الذي يأذن سبحانه للشفيع أن يشفع فيه. قال تعالى: {
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا
يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا }
الآية، وقال تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا
يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ
أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } فبين أن المتخذين شفعاء مشركون، وأن
الشفاعة لا تحصل باتخاذهم، وإنما تحصل بإذنه سبحانه وتعالى للشافع، ورضاه عن
المشفوع له كما تقدم بيانه.
والمقصود أن الكتاب والسنة دلّا على أن من جعل الملائكة،
أو الأنبياء، أو ابن عباس أو أبا طالب، أو المحجوب "وغيرهم من الأنبياء
والصالحين" وسائط بينه وبين الله ليشفعوا له عند الله، لأجل قربهم من الله،
كما يفعل عند الملوك أنه كافر مشرك، حلال المال والدم، وإن قال: أشهد أن لا إله
إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، وصلى، وصام، وزعم أنه مسلم، بل هو من
الأخسرين أعمالًا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
ومن تأمل القرآن العزيز وجده مصرحًا بأن المشركين الذين
قاتلهم رسول الله ﷺ مقرون بأن اله سبحانه هو الخالق الرازق، وأنا السموات السبع،
ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده، وتحت قهره، وتصرفه، كما حكاه تعالى
عنهم في سورة "يونس" وسورة "المؤمنون" و"العنكبوت" وغيرها من
السور، ووجده مصرحًا بأن المشركين يدعون الصالحين كما ذكر تعالى ذلك عنهم في سورة
"سبحان" و"المائدة" وغيرهما من السور، وكذلك أخبر عنهم أنهم
يعبدون الملائكة، كما ذكر ذلك في "الفرقان" و"سبأ"
و"النجم"، ووجده مصرحًا أيضًا بأن المشركين ما أراد ما ممن عبدوا إلا
الشفاعة، والتقرب إلى الله، كما ذكر تعالى ذلك عنهم في سورة "يونس"
و"الزمر" وغيرهما من السور.
فإذا تبين لكم أن القرآن قد صرح بهذه المسائل الثلاث
أعني: اعتراف المشركين بتوحيد الربوبية؛ وأنهم يدعون الصالحين؛ وأنهم ما أرادو
منهم إلا الشفاعة "التقرب إلى الله": تبين لكم أن هذا الذي يفعل عند القبور
اليوم، من سؤالهم جلب الفوائد، وكشف الشدائد، أنه الشرك الأكبر الذي كفر الله به
المشركين، فإن هؤلاء المشركين مشبهون شبهوا الخالق تعالى بالمخلوق وفي القرآن،
وكلام أهل العلم من الرد على هؤلاء ما لا يتسع له هذا الموضع، فإن الوسائط التي
بين الملوك وبين الناس تكون على أحد وجوه ثلاثة:
إما لإخبارهم عن أحوال الناس بما لا يطلعون عليه. ومن
قال: إن الله لا يطلع على أحوال العباد حتى يخبره بذلك بعض الأنبياء، أو غيرهم من
الأولياء والصالحين فهو كافر، بل هو سبحانه يعلم السّر وأخفى، لا يخفى عليه خافية
في الأرض ولا في السماء.
الثاني:
أن يكون الملك عاجزًا عن تدبير رعيته، ودفع أعدائه إلا
بأعوان يعاونونه فلا بدّله من أعوان وأنصار لذلّه وعجزه. والله سبحانه ليس له ظهير
ولا ولي من الذل وكل ما في الوجود من الأسباب فهو سحبانه ربّه وخالقه فهو الغني عن
كل ما سواه وكل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم
وهم في الحقيقة شركاؤهم. والله سبحانه ليس له شريك في الملك بل لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ولهذا لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه لا ملك
مقرّب ولا نبي مرسل فضلًا عن غيرهما فإن من شفع عنده بغير إذنه فهو شريك له في
حصول المطلوب أثر فيه بشفاعته حتى يفعل ما يطلب منه. والله تعالى لا شريك له بوجه من الوجوه.
الثالث: أن يكون الملك ليس مريدًا النفع لرعيته،
والإحسان إليهم، إلا بمحرّك يحركه من خارج، فإذا خاطب الملك من ينصحه، أو يعظه، أو
من يدل عليه، بحيث يكون يرجوه ويخافه، تحركت إرادة الملك، وهمته في قضاء حوائج
رعيته. والله تعالى رب كل شيء، ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وكل
الأسباب إنما تكون بمشيئته، وإرادته فما شاء كان،وما لم يشأ لم يكن. وهو سبحانه
إذا أراد إجراء نفع العباد بعضهم على يد بعض جعل هذا يحسن إلى هذا، أو يدعو له، أو
يشفع له فهو الذي خلق ذلك كله، وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن والداعي إرادة
الإحسان، والدعاء، والشفاعة، ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده،
أو يعلمه ما لم يكن يعلم، والشفعاء الذين يشفعون عنده لا يشفعون إلا بإذنه كما
تقدم إيضاحه، بخلاف الملوك المحتاجين، فإن الشافع عندهم يكون شريكًا لهم في الملك،
وقد يكون مظاهرًا لهم معاونًا لهم على ملكهم، وهم يشفعون عند الملوك بغير إذن
الملوك، والملك يقبل شفاعتهم تارة لحاجته إليهم، وتارة لجزاء إحسانهم، ومكافأتهم
حتى أنه يقبل شفاعة ولده وزوجته لذلك، فإنه محتاج إلى الزوجة والولد حتى لو أعرض
عنه ولده وزوجته لتضرر بذلك، ويقبل شفاعة مملوكه فإنه إذا لم يقبل شفاعته يخاف أن
لا يطيعه، ويقبل شفاعة أخيه مخافة أن يسعى في ضرره، وشفاعة العباد بعضهم عند بعض
كلها من هذا الجنس فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبة أو لرهبة. والله تعالى لا
يرجو أحدًا، ولا يخافه، ولا يحتاج إلى أحد بل هو الغني سبحانه عما سواه، وكل ما
سواه فقير إليه، والمشركون يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة عند
المخلوق، قال تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا
يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِِ -إلى قوله- سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }، وقال تعالى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا
تَحْوِيلًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ
الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ }
فأخبر سبحانه أن ما يدعى من دونه لا يملك كشف الضر ولا تحويله، وأنهم يرجون رحمته
ويخافون عذابه، ويتقربون إليه. فقد نفى سبحانه ما أثبتوه من توسط الملائكة
والأنبياء. وفيما ذكرنا كفاية لمن أراد الله هدايته، وأما من أراد الله فتنته فلا
حيلة فيه { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ
لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا }.
المسألة الثانية
وهي: من قال لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولم يصل
ولم يزك، هل يكون مؤمنًا؟
فنقول:
أما من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وهو مقيم على
شركه يدعو الموتى ويسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات فهذا كافر مشرك حلال المال
والدم وإن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وصلى وصام وزعم أنه مسلم كما تقدم
بيانه.
وأما إن وحّد الله تعالى ولم يشرك به لكنه ترك الصلاة
ومنع الزكاة، فإن كان جاحدًا للوجوب فهو كافر إجماعًا، وأما إن أقرّا بالوجوب
ولكنه ترك الصلاة تكاسلا عنها فهذا قد اختلف العلماء في كفره.
والعلماء إذا أجمعوا فإجماعهم حجة لا يجمعون على ضلالة،
وإذا تنازعوا في شيء ردّ ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، إذا الواحد منهم ليس
بمعصوم على الإطلاق بل كل واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا الله والرسول. قال
تعالى: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ }. قال العلماء
الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إلى السنة بعد وفاته.
وقال تعالى: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }
وقد ذم الله تعالى من أعرض عن كتابه ودعا عند التنازع إلى غيره، فقال تعالى: {
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ
رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا }. إذا عرفت هذا فنقول:
اختلف العلماء -رحمهم الله- في تارك الصلاة كسلًا من غير جحود، فذهب الإمام أبو
حنيفة والشافعي في أحد قوليه ومالك إلى أنه لا يحُكم بكفره واحتجوا بما رواه عبادة
بن الصامت قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد من
أتى بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد
إن شاء عذبه وإن شاء غفر له". [19]
وذهب إمامنا أحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه وإسحاق
بن راهويه وعبد الله بن المبارك والنخعي والحكم وأيوب السختياني وأبو داود
الطيالسي وغيرهم من كبار الأئمة والتابعين إلى أنه كافر، وحكاه إسحاق بن راهويه
إجماعًا، ذكره عنه الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي في شرح الأربعين. وذكره في كتاب
الزواجر عن اقتراف الكبائر عن جمهور الصحابة -رضي الله عنهم-.
وقال الإمام أبو محمد بن حزم: سائر الصحابة -رضي الله
عنهم- ومن بعدهم من التابعين يكفرون تارك الصلاة مطلقًا ويحكمون عليه بالارتداد،
منهم أبو بكر وعمر وابنه عبد الله وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس ومعاذ بن
جبل وجابر بن عبد الله "وأبو الدرداء" وأبو هريرة" وعبد الرحمن بن عوف
"وغيرهم من الصحابة ولا نعلم لهؤلاء مخالفًا من الصحابة -رضي الله عنهم
أجمعين".
وأجابوا عن قوله ﷺ: "من لم يأت بهن فليس له عند
الله عهد إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له"
أنّ المراد عدم المحافظة عليهن في وقتهن بدليل الآيات
والأحاديث الورادة فيها وفي تركها.
واحتجوا على كفر تاركها بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر
بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك
الصلاة" وعن بريدة بن الحصيب قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: "العهد الذي
بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" رواه الإمام أحمد وأهل السنن وقال الترمذي:
حديث صحيح إسناده على شرط مسلم [20] وعن ثوبان مولى رسول الله ﷺ قال سمعت رسول
الله ﷺ يقول: "بين العبد والكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك".
[21]
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن
النبي ﷺ أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: "من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا
ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا وبرهانًا ونجاة وكان يوم
القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف" رواه الإمام أحمد وأبو حاتم
وابن حبان في صحيحه. [22]
وعن عبادة بن الصامت قال: أوصانا رسول الله ﷺ فقال:
"لا تشركوا بالله شيئًا ولا تتركوا الصلاة عمدًا فمن تركها عمدًا خرج من
الملة" رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في سننه. [23] وعن معاذ بن جبل قال قال
رسول الله ﷺ: "من ترك صلاة مكتوبة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله" رواه
الإمام أحمد. [24] وعن أبي الدرداء قال: أوصاني أبو القاسم ﷺ أن لا أترك الصلاة
متعمدًا فمن تركها متعمدًا فقد برئت منه الذمة. رواه ابن أبي حاتم. [25] وعن معاذ بن
جبل عن النبي ﷺ أنه قال: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة..." الحديث
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان أصحاب محمد ﷺ لا يرون شيئًا من الأعمال
تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي.
[26]
فهذه الأحاديث كما ترى صريحة في كفر تارك الصلاة مع ما
تقدم من إجماع الصحابة، كما حكاه إسحاق بن راهويه وابن حزم وعبد الله بن شقيق، وهو
مذهب جمهور العلماء من التابعين ومن بعدهم.
ثم اعلم - رحمك الله وأرشدك - أن العلماء كلهم مجمعون على قتل تارك
الصلاة كسلًا إلا أبا حنيفة ومحمد بن شهاب الزهري وداود فإنهم قالوا يحبس تارك
الصلاة المفروضة حتى يموت أو يتوب.
ومن احتج لهذا القول بقوله ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس
حتى يقولوا لا إله إلًا الله فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلًا
بحقها" فقد أبعد النجعة، فإن هذا الحديث لا حجة فيه، بل هو حجة لمن يقول
بقتله كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
واحتج الجمهور على قتله بالكتاب والسنة. أما الكتاب
فقوله تعالى: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } إلى قوله: {
فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ
} فشرط الكف التوبة من الشرك وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فإذا لم توجد هذه الثلاث
لم يكف عن قتالهم ولم يخل سبيلهم.
قال ابن ماجه: ثنا نصر بن علي ثنا أو أحمد ثنا "أبو
جعفر الرازي" عن الربيع بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
"من فارق الدنيا على والإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة،
وإيتاء الزكاة، مات والله عنه راضٍ" قال أنس: وهو الدين الله الذي جاءت به
الرسل وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء. وتصديق ذلك في كتاب الله،
في آخر ما نزل: { فَإِنْ تَابُوا } قال: خلعوا الأوثان وعبادتها { وَأَقَامُوا
الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ } -وقال في آية أخرى- { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا
الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ }. [27]
وأما السنة فثبت في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله
عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا
الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا
مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"
فعلق العصمة على الشهادتين والصلاة والزكاة.
وقد بعث النبي ﷺ كتابًا فيه:"من محمد رسول الله إلى
أهل عمّان أما بعد: فأقروا بشهادة أن لا إله إلا الله.وأني رسول الله. وأدوا
الزكاة. وخطوا المساجد. وإلا غزوتكم" خرّجه الطبراني والبزار وغيرهما ذكره الحافظ
ابن رجب الحنبلي في "شرح الأربعين". [28]
وروى ابن شهاب عن حنظلة عن علي بن الأشجع أن أبا بكر
الصديق بعث خالد بن الوليد وأمره أن يقاتل الناس على خمس. فمن ترك واحدة منهن
فقاتله عليها كما تقاتل على الخمس: شهادة أن لا إله إلا الله. وأن محمدًا رسول الله. وإقام الصلاة.
وإيتاء الزكاة. وصوم رمضان. وحج بيت الله الحرام. وقال سعيد بن جبير: قال عمر بن
الخطاب: لو أن الناس تركوا الحج لقاتلناهم على تركه كما نقاتل على ترك الصلاة
والزكاة.
وبالجملة فالكتاب والسنة يدلان على أن القتال ممدود إلى
الشهادتين والصلاة والزكاة وقد أجمع العلماء على ذلك. قال في شرح الإقناع: أجمع
العلماء على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام فإنه يجب قتالها حتى
يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى. انتهى.
وأما حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا
لا إله إلا الله فإذا قالواها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" فهذا لا
إشكال فيه -بحمد الله- وليس لكم فيه حجة بل هو حجة عليكم ولو لم يكن إلا قوله:
"إلا بحقها" لكان كافيًا في إبطال قولكم وقد قال علماؤنا -رحمهم الله-
إذا قال الكافر لا إله إلا الله، فقد شرع في العاصم لدمه فيجب الكف عنه فإن تم ذلك
تحققت العصمة وإلا بطلت ويكون النبي ﷺ قد قال كل حديث في وقت. فقال: "أمرت أن
أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" ليعلم المسلمون أن الكافر المحارب
إذا قالها كُفّ عنه وصار دمه وماله معصومًا ثم بين ﷺ في الحديث الآخر أنّ القتال
ممدود إلى الشهادتين والعبادتين فقال: "أمر أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا
إله إلا الله. وأن محمدًا رسول الله. ويقيموا الصلاة. ويؤتوا الزكاة" فبين أن
تمام العصمة وكمالها إنما يحصل بذلك ولئلا تقع الشبهة بأن مجرد الإقرار يعصم على
الدوام كما وقعت لبعض الصحابة حتى جلّاها أبو بكر الصديق ثم وافقوه رضي الله عنهم.
ومما يبين فساد قولكم وخطأ فهمكم في معنى حديث أبي هريرة
أن الصحابة -رضي الله عنهم- أجمعوا على قتال مانعي الزكاة بعد مناظرة حصلت بين أبي
بكر وعمر -رضي الله عنهما- واستدل عمر على أبي بكر بحديث أبي هريرة فبين صدّيق
الأمة -رضي الله عنه- أن الحديث حجة على قتال مانعي الزكاة وهم يشهدون أن لا إله إلا
الله وأن محمدًا رسول الله ويصلون.
ونحن نسوق الحديث ثم نذكر ما قاله العلماء في شرحه
ليتبين لكم أن فهمكم الفاسد لم يقل به أحد من العلماء وأنه فهم مشؤم مذموم مخالف
للكتاب والسنة وإجماع الأمة فنقول:
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله ﷺ
وكَفَرَ من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. وأن محمدًا رسول الله،
فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها". فقال أبو بكر: لأقاتلن من
فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال فوالله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه
إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعه. فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح
صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب الزكاة ومسلم في كتاب
الإيمان. وهو من أعظم الأدلة على فساد قولكم، فإن الصديق -رضي الله عنه- جعل
المبيح للقتال مجرد المنع لا جحد الوجوب.
وقد تكلم النووي -رحمه الله- على هذا الحديث في شرح صحيح
مسلم فقال: باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. محمد رسول الله.
ويقيم الصلاة. ويؤتوا الزكاة. ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي ﷺ. وأن من قال ذلك
عصم نفسه وماله إلا بحقها ووكلت سريرته إلى الله تعالى. وقتال من منع الزكاة أو
غيرها من حقوق الإسلام. واهتمام الإمام بشرائع الإسلام.
وساق الحديث، [29] ثم قال: قال الخطابي في شرح هذا
الكلام كلامًا حسنًا لا بدّ من ذكره لما فيه من الفوائد. قال -رحمه الله-: مما يجب تقديمه
في هذا أن يعلم أن أهل الردة كانوا صنفين صنف ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة
وعادوا لكفرهم وهم الذين عنى أبو هريرة بقوله: "وكفر من كفر من العرب"
والصنف الآخر فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقروا بالصلاة وأنكروا فرض الزكاة ووجوب
أدائها إلى الإمام وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين للزكاة من كان يسمع بالزكاة ولا
يمنعها إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأي وقبضوا على أيديهم في ذلك كبني يربوع
فإنهم جمعوا زكاتهم وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة من
ذلك وفرقها فيهم وفي هؤلاء عرض الخلاف ووقعت الشبهة لعمر -رضي الله عنه- فراجع أبا
بكر -رضي الله عنه- وناظره واحتج عليه بقول النبي ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس
حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم نفسه وماله"
وكان هذا من عمر تعلقًا بظاهر الكلام قبل أن ينظر في آخر ويتأمل شرائطه. فقال له
أبو بكر: الزكاة حق المال يريد أن القضية قد تضمنت عصمة دم ومال معلقة بإيفاء
شرائطها، والحكم المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما والآخر معدوم.ثم قايسه بالصلاة ورد
الزكاة إليها وكان في ذلك من قوله دليل على أن قتال الممتنع من الصلاة كان إجماعًا
من الصحابة -رضي الله عنهم- ولذلك ردّ المختلف فيه إلى المتفق عليه فلما استقر
عندهم صحة رأي أبي بكر وبان لعمر صوابه تابعه على قتال القوم وهو معنى قوله:
"فلما رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال عرفت أنه الحق" يريد انشراح
صدوره بالحجة التي أدلى بها والبرهان الذي أقامه نصًا ودلالة. انتهى.
فتأمل هذا الباب الذي ذكره النووي -رحمه الله- وهو إمام
الشافعية على الإطلاق، تجده صريحًا في ردّ شبهتكم أن من قال: لا إله إلا الله محمد
رسول الله. لا يباح دمه وماله وإن ترك الصلاة ومنع الزكاة فالترجمة بنفسها صريحة
في ردّ قولكم فإنه صرح بالأمر بالقتال على ترك الصلاة ومنع الزكاة. وتأمل ما ذكره
الخطابي أن الذين منعوا الزكاة منهم من كان يسمع بها ولا يمنعها إلا أن رؤساءهم
صدّوهم عن ذلك الرأي وقبضوا على أيديهم كبني يربوع فإنهم أرادوا أن يبعثوها إلى
أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم. وأنه عرض الخلاف ووقعت الشبهة
لعمر في أمر هؤلاء ثم إن عمر وافق أبا بكر على قتالهم.
وتأمل قوله: احتج عمر بقول النبي ﷺ: "أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله". وكان هذا من عمر تعلقًا بظاهر الكلام قبل
أن ينظر في آخر ويتأمل شرائطه" وتأمل قوله: "أن قتال الممتنع عن الصلاة
كان إجماعًا من الصحابة" وقد أشار الخطابي إلى أن حديث أبي هريرة مختصر. قال
النووي -رحمه الله- قال الخطابي: ويبين لك أن حديث أبي هريرة مختصر أن عبد الله بن
عمر وأنسًا -رضي الله عنهما- روياه بزيادة لم يذكرها أبو هريرة. ففي حديث ابن عمر
عن رسول الله ﷺ قال: "أمرت أن أقاتل الناس حيث يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن
محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلا بحقّها" وفي رواية أنس: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا
أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وأن يستقبلوا قبلتنا. وأن يأكلوا
ذبيحتنا وأن يصلوا صلاتنا. فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماءهم وأموالهم إلا بحقها.
لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين". انتهى.
قلت: [30] وقد ثبت في الطريق الثالث المذكور في الكتاب
من رواية أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا
الله. ويؤمنوا بي وبما جئت به. فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا
بحقها". وفي استدلال أبي بكر واعترض عمر -رضي الله عنه- دليل على أنهما لم
يحفظا عن رسول الله ﷺ ما رواه ابن عمر وأنس وأبو هريرة وكأن هؤلاء الثلاثة سمعوا
هذه الزيادة في روايتهم في مجلس آخر فإن عمر لو سمع ذلك لما خالف، ولما كان احتج
بالحديث فإن هذه الزيادة حجة عليه. ولو سمع أبو بكر هذه الزيادة لاحتج بها، ولما
كان احتج بالقياس والعموم والله أعلم. انتهى كلام النووي.
فتأمل ما ذكره الخطابي تجده صريحًا في ردّ قولكم. وتأمل
قوله: "فإن عمر لو سمع ذلك لما خالف ولما كان احتج بالحديث فإن هذه الزيادة
حجة عليه" وبالجملة فحديث أبي هريرة حجة عليكم لا لكم. ولو لم يكن فيه إلا
قوله: "بحقها" لكان كافيًا في بطلان شبهتكم، فإن الصلاة والزكاة من أعظم
حقوق لا إله إلا الله بل هم أعظمها على الإطلاق.
ومما يد على بطلان قولكم وفساد فهمكم في معنى الحديث
أعني حديث أبي هريرة- "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله"
أن جميع الشراح والمحشين لم يتأولوه على هذا التأويل الذي ذهبتم إليه. فإنه حديث
صحيح مخرج في الصحاح، هؤلاء شراح البخاري ومحشيه نحوًا من أربعين كما نبه عليه
القسطلاني في خطبة شرح البخاري وكذا شراح مسلم هل أحد منهم استدل به على ترك قتال
من ترك الفرائض بل الذي ذكروه خلاف ما ذهبتم إليه ولو لم يكن إلا احتجاج عمر به
على أبي بكر ثم موافقته لأبي بكر على قتال مانعي الزكاة لكان كافيًا.
ونحن نذكر لكم كلام الشراح عذرًا ونذرًا. قال النووي
-رحمه الله تعالى-: قوله ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا
الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها وحسابه على الله
عز وجل". قال الخطابي: معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب
لأنهم يقولون لا إله إلا الله ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف. قال ومعنى
"حسابه على الله" أي فيما يسرونه ويخفونه "دون ما يخلون به في
الظاهر.
قال ففيه أن من أظهر الإسلام وأسر الكفر يقبل منه إسلامه
في الظاهر وهذا قول أكثر العلماء وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل ويحكى ذلك
عن أحمد بن حنبل هذا كلام الخطابي. وذكر القاضي عياض -رحمه الله- معنى هذا وزاد
عليه وأضحه فقال: اختصاص عصمة المال والنفس لمن قال لا إله إلا الله تعبير عن
الإجابة إلى الإيمان وأن المراد مشركو العرب، وأهل الأوثان ومن لا يوحد، وهم كانوا
أول من دعي إلى الإسلام وقوتل عليه، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في
عصمته بقول لا إله إلا الله إذا كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده ولذلك جاء
الحديث الآخر: "وأني رسول الله.
ويقيم الصلاة. ويؤتي الزكاة". هذا كلام القاضي عياض.
قلت: ولا بد من الإيمان بما جاء به رسول الله ﷺ كما جاء
في الرواية الأخرى لأبي هريرة:
"حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله. ويؤمنوا بي وبما
جئت به". انتهى كلام النووي.
فتأمل ما ذكره الخطابي وما ذكر القاضي أن المراد بقول:
"لا إله إلا الله التعبير عن الإجابة إلى الإيمان، واستدل لذلك بالحديث الآخر
الذي فيه "وأني رسول الله. وتقيم الصلاة. وتؤتي الزكاة".
وتأمل قوله: "إن المراد بحديث أبي هريرة مشركو
العرب، ومن لا يوحد، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقول لا إله
إلا الله. إذ كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده".
وتأمل قول النووي: "ولا بد من الإيمان بما جاء به
رسول الله ﷺ" وبالجملة فقوله ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله
إلا الله" لا نعلم أحدًا من العلماء أجراه على ظاهره، وقال إن من قال لا إله
إلا الله يكف عنه ولا يجوز قتاله وإن ترك الصلاة ومنع الزكاة. هذا لم يقل به أحد
من العلماء. ولازم قولكم أن اليهود لا يجوز قتالهم لأنهم يقولون لا إله إلا الله.
"وأن الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب لا يجوز قتالهم، لأنهم يقولون لا
إله إلا الله" وأن الصحابة مخطئون في قتالهم لمانعي الزكاة لأنهم يقولون لا
إله إلا الله. بل ولازم قولكم أن بني حنيفة مسلمون لا يجوز قتالهم لأنهم يقولون لا
إله إلا الله. سبحان الله ما أعظم هذا الجهل { كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ
}.
ومن العجب أنكم تقرؤون في صحيح البخاري هذا الباب الذي
ذكره في كتاب الإيمان حيث قال: باب { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } ثنا عبد الله بن محمد المسندي ثنا
أبو روح الحرمي ثنا شعبة عن واقد بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر -رضي الله
عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا
الله. وأن محمدًا رسول الله. ويقيموا الصلاة. ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك
عصموا منهي دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" ثم بعد ذلك تقولون
من قال: لا إله إلا الله حرم ماله ودمه ولا أدري بماذا تجيبون به عن هذه الآية
والحديثين اللذين ذكرهما البخاري وبأي شيء تدفعون به هذه الأدلة؟
وقال الإمام أبو عيسى الترمذي في سننه باب أمرت أن أقاتل
الناس حيت يقولوا لا إله إلا الله. ثنا هناد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح
عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله
إلا الله" الحديث ثم أردفه بحديث أبي هريرة في قتال أبي بكر لمانعي الزكاة،
وساق الحديث بتمامه. ثم قال: باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله
إلا الله. ويقيموا الصلاة. ثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ثنا ابن المبارك ثنا حميد
الطويل عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا
أن لا إله إلا الله. وأن محمدًا عبده ورسوله. وأن تستقبلوا قبلتنا ويأكلوا
ذبيحتنا. وأن يصلوا صلاتنا فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها
لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين" وفي الباب عن معاذ بن جبل وأبي
هريرة. هذا حديث حسن صحيح.
والمقصود بيان فساد هذه الشبهة التي دسها من يدعي أنه من
العلماء على الجهلة من الناس أن من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم
ولا يجوز قتله وإن ترك فرائض الإسلام. فهذا كلام الله وهذا كلام رسوله وهذا كلام
العلماء صريحًا في رد هذه الشبهة بل قد دل الكتاب والسنة والإجماع على أن الطائفة
الممتنعة تقاتل على ترك الصلاة ومنع الزكاة وإن أقرّوا بالوجوب كما تقدمت النصوص
الدالة على ذلك. بل قد صرح العلماء أن أهل البلد إذا تركوا الأذان والإقامة
يقاتلون كما سيأتي. وصرحوا أيضًا بأنهم لو تركوا إقامة صلاة الجماعة يُقاتلون.
وكذلك لو تركوا صلاة العيد. وعلماء الحرم الشريف يقولون: من قال لا إله إلا الله فقد عصم ماله
ونفسه وإن لم يُصل ولم يُزك فسبحان الله مقلب القلوب والأبصار كيف يشاء. وهل هذا
إلا معارضة لكلام الله وكلام رسول وكلام أئمة المذاهب، وهذا كلامهم موجود في كتبهم
يُصرحون بأن من ترك الصلاة قُتل وأن الطائفة الممتنعة من فعل الصلاة والزكاة
والصيام والحج تقاتل حتى يكون الدين كله لله، ويحكون عليه الإجماع كما صرح بذلك
أئمة الحنابلة في كتبهم فإذا كانوا مصرحين بأن من ترك بعض شعائر الإسلام كأهل قرية
إذا تركوا الأذان أو تركوا صلاة الجماعة أو تركوا صلاة العيد أنهم يقاتلون فكيف
بمن ترك الصلاة رأسًا. وهؤلاء يقولون: من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد
عصم ماله ودمه وإن كانوا طائفة ممتنعين من فعل الصلاة والزكاة. بل يصرحون بأن أهل
البوادي مسلمون حرام علينا دماؤهم وأموالهم مع العلم القطعي بأنهم لا يؤذنون ولا
يصلون ولا يزكون بل الظاهر عنهم أنهم كافرون بالشرائع وينكرون البعث بعد الموت.
سبحان الله ما أعظم هذا الجهل. وقد ذكرنا من كلام الله وكلام رسوله وكلام شراح الحديث ما فيه
الهدى لمن هداه الله.
وبينا أن العصمة شرطها التوحيد وإقامة الصلاة وإيتاء
الزكاة فمن لم يأت بهذه الثلاث لم يكف عنه ولم يخل سبيله وقد قال الله تعالى: { وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ }، وقال تعالى: {
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ
وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ }، وقال النبي ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى
يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة
فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله".
وأما كلام الفقهاء فنذكره على التفصيل إن شاء الله! أما
كلام المالكية فقال الشيخ علي الأجهوري في شرح المختصر: من ترك فرضًا آخر لبقاء
ركعة بسجدتيها من الضروري قتل بالسيف حدًا على المشهور. وقال ابن حبيب وجماعة ظاهر
المذهب كفرًا، واختاره ابن عبد السلام. انتهى.
وقال في فضل الأذان، قال المازري: في الأذان معنيان
أحدهما إظهار الشعائر والتعريف بأن الدار دار إسلام وهو فرض كفاية يقاتل أهل
القرية حتى يفعلوه، فإن عجز عن قهرهم على إقامته إلا بقتال قوتلوا، والثاني الدعاء
للصالة والأعلام بوقتها.
وقال الأبي في شرح مسلم: والمشهور أن الأذان فرض كفاية
على أهل المصر لأنه شعار الإسلام، فقد كان رسول الله ﷺ إن لم يسمع الأذان أغار
والا أمسك، [31] وقال المصنف يقاتلون عليه ليس القتال عليه من خصائص القول بالوجوب
لأنه نصّ عن عياض، وفي قول المصنف والوتر غير واجب إلا أنهم اختلفوا في التمالي
على ترك السنن هل يقاتلون عليها؟ والصحيح قتالهم وإكراههم لأن في التمالي على
تركها إماتتها. انتهى
وقال في فضل صلاة الجماعة: قال ابن رشد: صلاة الجماعة
مستحبة للرجل في نفسه فرض كفاية في الجملة. ويعني بقوله في الجملة أنها فرض كفاية
على أهل المصر ولو تركوها قوتلوا كما تقدم. انتهى.
وعبارة غيره وإن تركها أهل بلد قوتلوا وأهل حارة أجبروا
عليها. انتهى كلام الشيخ علي الأجهوري.
فانظر تصريحهم بأن تارك الصلاة يقتل باتفاق أصحاب مالك
وإنما اختلفوا في كفره، وأن ابن حبيب وابن عبد السلام اختاروا أنه يقتل كافرًا.
وتأمل كلامهم في الطائفة الممتنعة عن الأذان أو عن إقامة الجماعة في المساجد أنهم
يقاتلون، فأين هذا من قولكم إن من ترك الفرائض مع الإقرار بوجوبها لا يحلّ قتالهم
لأنهم يقولون: لا إله إلا الله.
وأما كلام الشافعية فقال الشيخ الإمام العلامة أحمد بن
حمدان الأذرعي -رحمه الله- في كتاب "قوت المحتاج في شرح المنهاج". من
ترك الصلاة جاحدًا لوجوبها كفر بالإجماع، وذلك جار في كل جحود مجمعٍ عليه معلوم من
الدين بالضرورة، فمن تركها كسلًا قتل حدًا على الصحيح أو المشهور. أما قتله فلأن
الله أمر بقتل المشركين ثم قال: { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ }.
فدل على أن القتل لا يرفع إلا بالإيمان وإقام الصلاة،
وإيتاء الزكاة، ولما في الصحيحين "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله
إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك
عصموا من دماءهم وأموالهم إلا بحقها" ثم قال: "إشارات" منها جعل
قتلة ردة ووجد لشر ذمة منهم منصور التميمي، وابن خزيمة، وقضية كلام الرونق أنه
كلام منصوص حيث قال: فإذا قتل ففي ماله ودفنه بين المسلمين قولان: أحدهما ما رواه
الربيع عن الشافعي إن ماله يكون فيئًا ولا يدفن في مقابر المسلمين والثاني ما رواه
المزني عن الشافعي أن ماله يكون لورثته ويدفن في مقابر المسلمين. وقال منصور في
المستعمل سألت الربيع ما نصنع بماله إذا قتلناه؟ قال يكون فيئًا. "ومنها"
قال في الروضة: تارك الوضوء يقتل على الصحيح جزم به الشيخ أبو حامد. وفي البيان:
لو صلى عريانًا مع القدرة على السترة أو الفريضة قاعدًا بلا عذر قتل، وكذلك لو ترك
التشهد أو الإعتدال، حكاه ابن الأستاذ عن البحر. فإن صح طُرد في سائر الأركان والشروط،
ويجب أن يكون محله فيما أجمع عليه، ومنها لو امتنع من الصوم والزكاة حسب ومنع
المفطرات. وقال إمام الحرمين يجوز أن يجعل الممتنع مما يضيق عليه كالممتنع من
الصلاة يجبر عليه فإن أبى ضربت عنقه.
قال المصنف: والصحيح قتله بصلاة واحدة بشرط إخراجها عن
وقت الضرورة انتهى كلام الأذرعي فانظر كلامه في قتل من ترك الصلاة كسلًا. وأن ربيع
روى عن الشافعي أن ماله يكون فيئًا ولا يدفن في مقابر المسلمين.
وتأمل كلام أبي حمد وكالم صاحب الروضة في قتل تارك
الوضوء وكلام صاحب البيان فيمن صلى عريانًا مع القدرة على السترة وصلى الفريضة
قاعدًا بلا عذر أنه يقتل فأين هذا من قولكم إن من قال لا إله إلا الله كف عنه ولا
يجوز قتاله بوجه من الوجوه. وقال الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي في التحفة في باب حكم
تارك الصلاة: ان ترك الصلاة جاحدًا وجوبها كفر بالإجماع، أو تركها كسلًا مع
اعتقاده وجوبها قتل للآية { فَإِنْ تَابُوا } وخبر "أمرت أن أقاتل الناس" فإنهما
شرطًان في الكف عن القتل والمقاتلة الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة لأن الزكاة
يمكن الإمام أخذها ولو بالمقاتلة ممن امتنعوا وقاتلوا فكانت فيها على حقيقتها
بخلافها في الصلاة فإنه لا يمكن فعلها بالمقاتلة. فكانت فيها بمعن القتل.
وقال في باب صلاة الجماعة: قيل وهي فرض للرجل فتجب بحيث
تظهر بها الشعائر في ذلك المحل في البادية أو غيرها فإن لم يظهر الشعار بأن
امتنعوا كلهم أو بعضهم -كأهل محلة من قرية كبيرة ولم يظهر الشعار إلا بهم- قتلوا،
يقاتلهم الإمام أو نائبه لإظهار هذه الشعيرة الكبيرة.
وقال في باب الأذان: الأذان والإقامة سنة وقيل فرض كفاية
فيقاتل أهل بلد تركوهما أو أحدهما بحيث لم يظهروا الشعائر. [32] وقال في باب صلاة
العيدين: هي سنة وقيل فرض كفاية فعليه يقاتل أهل بلد تركوهما أو أحدهما. انتهى
كلامه في التحفة. [33]
فانظر إلى كلامه في قتل تارك الصلاة كسلا. وتأمل قوله إن
الآية والحديث شرطا في الكف عن القتل والمقاتلة الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء
الزكاة، وإن الإمام يأخذ الزكاة بالمقاتلة ممن امتنعوا أو قاتلوا. وتأمل كلامه في
باب صلاة الجماعة، وأنها تجب بحيث يظهر الشعار في ذلك المحل حتى في البادية وأنهم
يقاتلون إذا امتنعوا. وتأمل كلامه في الأذان والإقامة، وأن الإمام يقاتل على
تركهما وعلى ترك أحدهما على القول بأنهما فرض كفاية. وتأمل كلامه في الطائفة إذا
امتنعوا من صالة العيدين، فأين هذا من كلام من يقول: إن أهل البلد والبوادي إذا
قالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله لم يجز قتالهم وإن لم يصلوا ولم يزكوا،
سبحان الله ما أعظم هذا الجهل.
وأما كلام الحنابلة فقال في الإقناع وشرحه في كتاب
الصلاة ومن حجب وجوبها كفر، فإن تركها تهونًا وكسلًا لا جحودًا دعاه الإمام أو
نائبه إلى فعلها لاحتمال أن يكون تركها لعذر يعتقد سقوطها به كالمرض ونحوه،
فيهدّده فإن أبى أن يصليها حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله بقوله تعالى: {
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } -إلى قوله تعالى- { فَإِنْ تَابُوا
وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ }.. فمن ترك
الصلاة لم يأت بشرط التخلية فيبقى على إباحة القتل وبقوله عليه السلام: "ومن
ترك الصلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله". رواه الإمام أحمد عن
مكحول وهو مرسل جيد. ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام كمرتد نصًا، فإن تاب بفعلها
وإلا قتل بضرب عنقه بالسيف لما رواه جابر عن النبي ﷺ أنه قال: "بين الرجل
وبين الكفر ترك الصلاة" رواه مسلم وروى بريدة أن النبي ﷺ قال: "من تركها
فقد كفر" رواه الخمسة وصححه الترمذي، انتهى وقال -رحمه الله- في باب الأذان
والإقامة: فإن تركهما أي الأذان والإقامة أهل بلد قوتلوا، أي يقاتلهم الإمام أو
نائبه حتى يفعلوهما، لأنهما من أعلام الدين الظاهرة، فقوتلوا على تركهما كصلاة
العيد.
وقال -رحمه الله- في باب صلاة الجماعة: وهي واجبة وجوب
عين، فيقاتل تاركها كالأذان، لكن الأذان إنما يقاتل على تركه إذا تركه أهل البلد
كلهم بخلاف الجماعة فإنه يقاتل تاركها وإن أقامها غيره لأن وجوبها على الأعيان
بخلافه. وقال -رحمه الله- في باب صلاة العيدين: وهي فرض كفاية إن تركها أهل بلد
يبلغون أربعين بلا عذر قاتلهم الإمام كالأذان لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، وفي
تركها تهاون بالدين.
وقال -رحمه الله- في "باب إخراج الزكاة" ومن
منعها بخلًا أو تهاونًا أخذت منه قهرًا كدين الآدمي، وإن غيب ماله أو كتمه وأمكن
أخذها بأن كان في قبضة الإمام أخذت منه بغير زيادة، وإن لم يمكن أخذها استتيب
ثلاثة أيام وجوبًا، فإن تاب وأخرج كفّ عنه وإلا قتل لإتفاق الصحابة على قتال
مانعيها وغن لم يمكن أخذها إلا بقتال وجب على الإمام قتاله إن وضعها موضعها، انتهى
كلامه في الإقناع وشرحه.
فتأمل كلامه فيمن ترك الصلاة كسلًا من غير جحود أن
يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرًا وتأمل كلامه في أهل البلدان، إذا تركوا الأذان
والإقامة وصلاة العيد أنهم يقاتلون بمجرد ترك ذلك، فهذا كلام المالكية، وهذا كلام
الشافعية، وهذا كلام الحنابلة، الكل منهم قد صرح بما ذكرناه، فإذا كانوا مصرحين
بقتال من التزم شرائع الإسلام، إلا أنهم تركوا الأذان أو تركوا صلاة الجماعة أو
تركوا صلاة العيد، فكيف بمن ترك الصلاة رأسًا كالبوادي الذين لا يصلون ولا يزكون
ولا يصومون، بل ينكرون الشرائع، ويكرون البعث بعد الموت، هذا هو الغاب عليهم إلا
من شاء وهم القليل، وإلا فأكثرهم ليس معهم من الإسلام إلا أنهم يقولون لا لا إله
إلا الله ومع هذا يجادل عنهم علماء مكة المشرفة ويقولون: إنهم مسلمون، وإن دماءهم
وأموالهم حرام بحرمة الإسلام، وإن لم يصلوا ولم يزكوا ولم يصوموا إلا أنهم يقولون
لا إله إلا الله، وهل هذا إلًا رد على الله تعالى حيث قال: { فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا
لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } وهؤلاء يقولون يخلى سبيلهم وإن لم يصلوا ولم يزكوا. وفي الصحيحين
عن النبي ﷺ أنه قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن
محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منهي
دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام". وهؤلاء يقولون: من قال لا إله إلا الله
عصم دمه وماله وإن لم يصلّ ولم يزك
{ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا
يَعْلَمُونَ } فهذا كتاب الله وهذه سنة رسوله وهذا إجماع الصحابة على قتل من ترك
الصلاة أو منع الزكاة. قال صدّيق الأمة أبو بكر رضي الله عنه: "والله لأقاتلن
من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ
وفي رواية عناقًا لقاتلتهم على منعها، وهذا أيضًا إجماع العلماء قال في شرح
الإقناع: أجمع العلماء على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام فإنه يجب
قتالها حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى، انتهى. وقال أبو العباس -رحمه
الله-: "القتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان
الدين لغير الله فالقتال واجب فأيما طائفة ممتنعة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات
أو الزكاة أو الصيام أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء أو الأموال أو الخمر أو
الزنا أو الميسر، أو نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية
على أهل الكتاب أو غير ذلك من التزام واجبات الدين أو محرماته التي لا عذر لأحد في
جحودها أو تركها، التي يكفر الواحد بجحودها، فان الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن
كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء، وإنما اختلف الفقهاء في
الطائفة الممتنعة إذا أصرّت على ترك بعض السنن كركعتي الفجر أو الأذان أو الإقامة
عند من لا يقول بوجوبها ونحو ذلك من الشعائر فهل تقاتل الطائفة الممتنعة على تركها
أم لا؟ فأما الواجبات أو المحرمات المذكورة ونحوها فال خلاف في القتال
عليها". انتهى كلامه.
فتأمل كلام إمام الحنابلة وتصريحه بأن من امتنع عن شريعة
من شرائع الإسلام الظاهرة كالصلوات الخمس أو الصيام أو الزكاة أو الحج، أو عن ترك
المحرمات كالزنا أو شرب الخمر أو المسكرات أو غير ذلك، فإنه يجب قتال الطائفة
الممتنعة عن ذلك حتى يكون الدين كله الله، ويلتزموا جميع شرائع الإسلام، وإن كانوا
مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائع الإسلام، وإن ذلك مما اتفق عليه
الفقهاء من سائر الصحابة فمن بعدهم فأين هذا من قولكم: إن من قال لا إله إلا الله
فقد عصم ماله ودمه وإن ترك الفرائض وارتكب المحرّمات، بل من تأمل سيرة النبي ﷺ
وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده عرف أن قولكم هذا مضاد لما فعله النبي ﷺ
وما فعله الخلفاء الراشدون ومن بعدهم. فيا سبحان الله: "أما علمتم أن رسول
الله ﷺ قاتل اليهود وهم يقولون لا إله إلا الله وسبي نساءهم، واستحلّ دماءهم
وأموالهم" أما علمتم أن رسول الله ﷺ أراد أن يغزو بني المصطلق لما قيل له
إنهم منعوا الزكاة، وكان الذي قاله كاذبًا، والقصة مشهورة في كتب الحديث والتفسير،
ذكرها المفسرون عند قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ
فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا }.
أما علمتم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حرق الغالية
مع أنهم يقولون لا إله إلا الله؟ أما علمتم أن الصحابة رضي الله عنه قاتلوا
الخوارج بأمر نبيهم ﷺ، مع أنه ﷺ أخبر أن الصحابة يحقرون صلاتهم مع صلاتهم وصيامهم
مع صيامهم وقراءتهم مع قرآءتهم وقال: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم؟" أما
علمتم أن الصحابة قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول
الله ويصلون ويؤذنون؟
أما علمتم أن الصحابة قاتلوا بني يربوع لما منعوا
الزكاة، مع أنهم مقرون بوجوبها وكانوا قد جمعوا صدقاتهم وأرادوا أن يبعثوا بها إلى
أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة وفي أمر هؤلاء عرضت الشبهة لعمر رضي الله عنه حتى
جلاها الصديق أبو بكر رضي الله عنه وقال: "والله لو منعوني عقالًا -وفي رواية
عناقًا- كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعها، فقال عمر: فوالله ما
هو إلى أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر لقتال فعرفت أنه الحق، وقد تقدم ذلك
مبسوطًا، وذكرنا لفظه في شرح مسلم في "باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله ويقيموا
الصلاة ويؤتوا الزكاة".
أما علمتم أن رسول الله ﷺ بعث صاحب الراية إلى رجل تزوج
امرأة أبيه كما رواه الترمذي في سننه حيث قال: "باب ما جاء فيمن تزوج امرأة
أبيه". حدثنا أبو سعيد الأشج أخبرنا حفص بن غياث عن أشعث عن عدي بن ثبات عن
البراء قال: مرّ بي خالي أبو بردة ومعه لواء فقلت أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله
ﷺ إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن آتيه برأسه، حديث حسن غريب، انتهى. [34]
ولو تتبعنا الآيات والأحاديث والآثار وكلام العلماء في
قتال من قال: لا إله إلا الله إذا ترك بعض حقوقها لطال الكلام جدًا، فكيف بمن ترك
الإسلام كله، وكذب به، واستهزأ به على عمد إلا أنهم يقولون: لا إله إلا الله
كهؤلاء البوادي؟ وفيما ذكرنا كفاية لمن طلب الإنصاف، فقد ذكرنا الأدلة من كلام
الله وكلام رسوله ﷺ، وكلام الصحابة، وإجماع العلماء بعدهم. فإن كان هذا الذي ذكرنا
له معنى آخر ما فهمناه بينوه لنا من كلام الله وكلام رسوله وكلام العلماء فرحم
الله أمرءًا نظر لنفسه، وعرف أنه ملاق الله الذي عنده الجنة والنار.
المسألة الثالثة
أما المسألة الثالثة فقالوا فهل يجوز البناء على القبور؟
فنقول:
ثبت في الصحيحين والسنن عن رسول الله ﷺ أنه نهى عن
البناء على القبور وأمر بهدمه، كما رواه مسلم في صحيحه حيث قال: حدثنا يحيى بن
يحيى حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهياج الأسدي
قال: قال لي علي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ أن لا تدع تمثالًا إلا
طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويّته. [35] وقال أيضًا: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة
قال: حدثنا حفص بن غياث عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: نهى
رسول الله ﷺ أن يجصص القبر، وأن يبني عليه، وأن يكتب عليه. [36] قال أيضًا: حدثنا
هارون بن سعيد الأيلي قال: حدثنا وهب قال حدثني عمرو بن الحارث أن ثمامة بن شفي
حدثه قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة
بقبره فسوي ثم قال: سمعت رسول الله ﷺ يأمر بتسويتها. [37]
وقال الترمذي: "باب ما جاء في تسوية القبور" حدثنا محمد
بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل
أن عليًا رضي الله عنه قال لأبي الهياج الأسدي ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول
الله ﷺ أن لا تدع قبرًا مشرفًا إلا سوّيته، ولا تمثالًا إلا طمسته. قال: وفي الباب
عن جابر.
وقال ابن ماجه في "باب ما جاء في النهي عن البناء
على القبور وتجصيصها والكتابة عليها": حدثنا أزهر بن مروان ومحمد بن زياد
حدثنا عبد الوارث عن أيوب عبن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله ﷺ عن تجصيص
القبور. وحدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا حفص بن غياث عن ابن جريج عن سليمان بن موسى
عن جابر قال: نهى رسول الله ﷺ أن يكتب على القبر شيء. وحدثنا محمد بن يحيى حدثنا
محمد بن عبد الله الرقاشي حدثنا وهب حدثنا عبد الرحمن بن يزيد عن القاسم بن مخيمرة
عن أبي سعيد أن النبي ﷺ نهى أن يبنى على القبور.
وقال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: قال الشافعي
-رحمه الله- في الأم: "رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى، ويؤيد الهدم
قوله: ولا قبرًا مشرفًا إلا سوّيته". وقال الأذرعي -رحمه الله- في "قوت
المحتاج" ثبت في صحيح مسلم النهي عن التجصيص والبناء. وفي الترمذي وغيره:
النهي عن الكتابة. وقال القاضي ابن كج: ولا يجوز أن يبنى عليها قباب ولا غيرها،
والوصية عليها باطلة.
قال الأذرعي: ولا يبعد الجزم بالتحريم في ملكه وغيره من
غير حاجة على من علم النهي، بل هو القياس الحق، والوجه في البناء على القبور
المباهاة والمضاهاة للجبابرة والكفار، والتحريم يثبت بدون ذلك. وأما بطلان الوصية
ببناء القباب وغيرها من الأبنية العظيمة، وانفاق الأموال الكثيرة عليه فلا ريب في
تحريمه، والعجب كل العجب من يلزم ذلك الورثة من حكام العصر، ويعمل بالوصية بذلك!
انتهى كلام الأذرعي -رحمه الله- ومن جمع بين سنة رسول الله ﷺ في القبور، وما أمر
به، وما نهى عنه، وما كان عليه أصحابه، وبين ما أنتم عليه من فعلكم مع قبر أبي
طالب والمحجوب وغيرهما وجد أحدهما مضادًا للآخر، مناقضًا له بحيث لا يجتمعان
أبدًا، فنهى رسول الله ﷺ عن البناء على القبور كما تقدم ذكره، وأنتم تبنون عليها
القباب العظيمة، والذي رأيته في المعلاة أكثر من عشرين قبة، ونهى رسول الله ﷺ أن
يزاد عليها غير ترابها وأنتم تزيدون عليها غير التراب التابوت الذي عليه ولباس
الجوخ، ومن فوق ذلك القبة العظيمة المبنية بالأحجار والجص.
وقد روى أبو داود من حديث جابر: أن رسول الله ﷺ نهى أن
يجصص القبر، أو يكتب عليه، أو يزاد عليه.
ونهى رسول الله ﷺ عن الكتابة عليها كما تقدم في صحيح
مسلم.
وقال أبو عيسى الترمذي: "باب ما جاء في تجصيص
القبور والكتابة عليها": حدثنا عبد الرحمن بن الأسود ثنا محمد بن ربيعة عن
ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: "نهى رسول الله ﷺ أن تجصص القبور أن
يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ" هذا حديث حسن صحيح.
وهذه القبور عندكم مكتوب عليها القرآن والأشعار.
وقال أبو داود: "باب البناء على القبور".
حدثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق قال أخبرني ابن جريج حدثني أبو الزبير أنه سمع
جابرًا يقول: سمعت النبي ﷺ نهى أن يقعد على القبر وأن يجصص وأن يبنى عليه. انتهى.
ولعن رسول الله ﷺ من أسرجها. والذي رأيته ليلة دخولنا
مكة -شرفها الله- في المقبرة أكثر من مائة قنديل. هذا مع علمكم بأن رسول الله ﷺ
لعن فاعله. فقد روى ابن عباس أن رسول الله ﷺ: لعن زائرات القبور والمتخذين عليها
المساج والسرج. رواه أهل السنن.
وأعظم من هذا كله وأشد تحريمًا الشرك الأكبر الذي يفعل
عندها وهو دعاء المقبورين وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، لكن تقولون لنا:
إن هذا لا يفعل عندها وليس عندنا أحد يدعوها ويسألها. ونقول: اللهم اجعل ما ذكروه
حقًا وصدقًا ونسأل الله أن يطهر حرمه من الشرك. ولا ريب أن دعاء الموتى وسؤالهم
جلب الفوائد، وكشف الشدائد أنه من الشرك الأكبر الذي كفر الله به المشركين كما
تقدم بيانه في المسألة الأولى.
وقد قال تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا
تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } وقال تعالى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ
مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا }، وقال
تعالى: { وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ
فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ }، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لا
يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا.. } الآية، وقال تعالى: { وَمَنْ
أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ
كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }، وقال تعالى: {
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ
لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ
وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ }.
وقد روى الترمذي عن أنس أن رسول الله ﷺ قال:
"الدعاء مخ العبادة" وعن النهمان بن بشير قال: قال رسول الله ﷺ:
"الدعاء هو العبادة" ثم قرأ رسول الله ﷺ: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ
جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
قال العلقمي في شرح الجامع الصغير حديث "الدعاء مخ
العبادة": قال شيخنا: قال في النهاية: مخ الشيء خالصه. وإنما كان مخها
لأمرين: أحدهما أنه امتثال لأمر الله حيث قال: "ادعوني أستجب لكم" فهو محض
العبادة وخالصها. والثاني: أنه إذا رأى نجاح الأمور من الله تعالى قطع عمله عما
سواه ودعاه لحاجته وحده وهذا أصل العبادة. ولأن الغرض من العبادة الثواب عليها
وهذا هو المطلوب من الدعاء. وقوله: "الدعاء هو العبادة" قال شيخنا: قال
الطيبي: أتى بالخبر المعرف باللام ليدل على الحصر، وأن العبادة ليست غير الدعاء.
وقال شيخنا: قال البيضاوي: لما حم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تتأهل أن
تسمى عبادة من حيث أنه يدل على أن فاعله مقبل على الله معرض عما سواه لا يرجو إلا
إياه ولا يخاف إلا منه. واستدل عليه بالآية يعني قوله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } فإنها تدل على أنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف
قبل منه لا محالة، وترتب عليه المقصود ترتب الجزاء على الشرط، والسبب على المسبب،
وما كان كذلك كان أتم العبادة. انتهى كلام العلقمي -رحمه الله-.
وليكن هذا آخر الكلام على هذه المسائل الثلاث فإن
وافقتمونا على أن هذا هو الحق فهو المطلوب. وإن زعمتم أن الحق خلافه فأجيبونا بعلم
من الكتاب والسنة فإنهما الحاكمان بين الناس فيما تنازعوا فيه كما قال تعالى: {
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ }..
وقد ذكرنا لكم الأدلة من الكتاب والسنة وكلام الأئمة فإن
لم تسلموا لهذه الأدلة فاذكروا لنا جوابها من الكتاب والسنة وكلام الأئمة. فإذا
أجبتم على هذه المسائل الثلاث أجبناكم عن بقية المسائل إن شاء الله.
ولنختم الكلام بقوله تعالى: { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ
النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ
وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ
يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي
الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } والحمد لله أولًا
وآخرًا كما يحب ربنا ويرضى وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا
كثيرًا والحمد لله رب العالمين.
هامش
هكذا نقل المؤلف سند مسلم. ولمسلم في هذا الحديث عدة
شيوخ قال -رحمه الله-: حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمر وحدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن
الحارث ح وحدثني هارون بن سعيد الأيلي ثنا ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث "في
رواية أبي الطاهر" أن أبا علي الهمداني حدثه "وفي رواية هارون" أن
ثماثمة بن شفي حدثه قال: كنا مع فضالة...فذكره. وقوله "بِرُوْدِس" قال
النووي: هكذا ضبطناه في صحيح مسلم وكذا نقله القاضي عياض في المشارق عن الأكثرين.
وهي جزيرة بأرض الروم.
أخرجه -كما في الدر المنثور 5/ 607- الفريابي وسعيد بن
منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم
وصححه والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس.
ورواه الحاكم في مستدركه "1/ 93"، وابن عدي في
الكامل "4/ 1386"
أخرجه ابن ماجة في سننه -المقدمة- "1/ 4"،
وابن أبي عاصم في السنة "1/ 26"
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 263- 264": رواه
الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده "4/ 126- 127"،
وأبو داود في سننه -كتاب السنة- "5/ 13- 14- 15"، والترمذي في سننه -كتاب العلم- "5/ 44- 45"، وابن ماجة
في سننه -المقدمة- "1/ 15- 16- 17"، وابن حبان في صحيحه "1/
105"، والآجري في الشريعة "ص47"، والمروزي في السنة "ص21-
22"، وابن أبي عاصم في السنة -مختصرًا ومطولًا- "1/ 17- 18- 19- 20- 26- 27- 29-
30"، والطبراني في الكبير "18/ 245، 246، 247"، والحاكم في مستدركه
"1/ 95- 96- 97"، وفي المدخل إلى الصحيح "ص79- 80- 81"،
والبيهقي في دلائل النبوة "6/ 541"، وفي مناقب الشافعي "1/ 10-
11". جميعهم من طرق عديدة عن أبي نجيح العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله
ﷺ موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب. قلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع
فماذا تعهد إلينا. قال: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها
بعدي إلا هالك ومن يعش منك فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين، وعليكم بالطاعة..." الحديث. قال الترمذي: حديث
حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ليس له علة، وأقرّه الذهبي على هذا. وصححه
شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية -رحمه الله- في اقتضاء الصراط المستقيم- 2/ 579، وقال الحافظ ابن كثير في "تحفة الطالب
ص163" صححه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، والدُغولي، وقال شيخ الإسلام
الأنصاري: هو أجود حديث في أهل الشام وأحسنه.
أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجنائز "2/ 671"
أخرجه أبو داود في سننه -كتاب الجنائز- "3/
538"، وابن ماجه في سننه -كتاب الجنائز- "1/ 480" كلاهما من طريق
محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال:
سمع رسول الله ﷺ.... فذكره. وإسناده جيد إلا أن ابن
إسحاق مدلّس وقد عنعنه ولكنه قد صرح بالتحديث عند ابن حبان كما في -الموارد-
"ص192" فزالت هذه العلة بحمد الله.
أخرجه الإمام أحمد "3/ 266"، "6/32- 40-
97- 231"، ومسلم في صحيحه -كتاب الجنائز-
"2/ 654" كلاهما من طريق عبد الله بن يزيد عن عائشة... به.
أخرجه الترمذي في سننه -كتاب الدعاء- "5/ 456"
وقال: حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهَيْعَة، اهـ. وهو ضعيف
الحديث عندهم، وفي السند الوليد بن مسلم وهو مدلس وقد عنعنه.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده "4/ 267- 271- 276-
277"، وأبو داوود في سننه -كتاب الصلاة- "2/ 161"، والترمذي في
سننه -كتاب التفسير- "5/ 211" وفي -كتاب الدعاء- "5/ 456"،
وابن ماجه في سننه -كتاب الدعاء- "2/ 1258"، وابن المبارك في الزهد
"ص459"، والطيالسي في مسنده "ص 108"، وابن أبي شيبة في المصنف
"10/ 200"، والبخاري في الأدب المفرد "2/ 178"، وابن جرير
الطبري في تفسيره "24/ 78- 79"، وابن حبان في صحيحه -الموارد- "ص
595"، والطبراني في الصغير "2/ 97"، والحاكم في مستدركه "1/ 490-
491"، والبغوي في شرح السنة "5/
184"،
وفي تفسيره -حاشية ابن كثير- "7/ 309"، والقضاعي في مسند الشهاب "1/ 51"، وأبو نعيم في الحلية "8/
120" جميعهم من طريق يُسَيْع بن معدان عن النعمان بن بشير مرفوعًا... به
وسنده صحيح. وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وقال الترمذي حسن صحيح، وصححه النووي، كما
في الأذكار، وقال الحافظ في الفتح: إسناده جيد "1/ 49"، وحسنه السخاوي
-كما في شرح الأذكار- لابن علّان "7/
191". والحديث عزاه السيوطي في الدر المنثور
"7/ 301" لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي حاتم وابن
مردوية وأبي نعيم في الحلية "8/
120"،
والبيهقي في شعب الإيمان كلهم عن النعمان بن بشير.. به. وأخرجه الخطيب في تاريخه
"12/ 279"، وابن مردويه -كما في الدر- "7/ 301" وأبو يعلى -كما في شرح
الأذكار- "7/ 191" عن البراء بن عازب رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية في رده على البكري
"ص232": سؤال الميت والغائب نبيًا كان أو غيره من المحرمات المنكرة
باتفاق أئمة المسلمين لم يأمر الله به ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا
التابعين لهم بإحسان ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين. وهذا مما يعلم بالإضطرار من
دين المسلمين أن أحدًا منهم ما كان يقول: إذا نزلت به ترة أو عرضت له حاجة لميت يا
سيدي فلان أن في حسبك أو اقضِ حاجتي. كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من
الموتى والغائبين. ولا أحد من الصحابة رضي الله عنهم إستغاث بالنبي ﷺ بعد موته ولا
بغيره من الأنبياء لا عند قبورهم ولا إذا بعدوا عنها وقد كانوا يقفون تلك المواقف
العظام في مقابلة المشركين في القتال ويشتد البأس بهم ويظنون الظنون ومع هذا لم
يستغث أحد منهم بنبي ولا غيره من المخلوقين ولا أقسموا بمخلوق على الله أصلًا ولا
كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء ولا قبور غير الأنبياء ولا الصلاة عندها
وقد كره العلماء كمالك وغيره أن يقوم الرجل عند قبر النبي ﷺ يدعو لنفسه وذكروا أن
هذا من البدع التي لم يفعلها السلف، اهـ. وقال -رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى-
كما في مجموع الفتاوى لابن قاسم "1/ 159": فإن دعاء الملائكة والأنبياء
بعد موتهم وفي مغيبهم وسؤالهم والإستغاثة بهم والاستشفاع بهم في هذه الحال ونصب
تماثيلهم -بمعنى طلب الشفاعة منهم- هو من الدين الذي لم يشرعه الله ولا ابتعث به
رسولًا ولا أنزل به كتابًا وليس هو واجبًا ولا مستحبًا باتفاق المسلمين ولا فعله
أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين وإن كان
ذلك مما يفعله كثير من الناس ممن له عبادة وزهد ويذكرون فيه حكايات ومنامات فهذا
كله من الشيطان، اهـ. وانظر الفتاوى "1/ 160- 161- 162".
أخرجه ابن جرير الطبري في التفسير "15/ 106"
من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد... به. وابن أبي نجيح اسمه عبد الله بن يسار ثقة
إلا أنه لم يسمع التفسير من مجاهد قاله يحيى بن سعيد وابن حبان. وقال شيخ الإسلام
في رده على البكري "ص 283": وفي التفسير الصحيح عن مجاهد... فذكره.
أخرجه ابن جرير في تفسيره "15/ 106" من طريق
النخعي إبراهيم يزيد عن ابن عباس، ولم يسمع النخعي منه كما نص على ذلك علي بن
المديني وغيره. ينظر التهذيب 1/
177. وأخرج هذا الأثر -كما في الدر- "5/ 306"
سعيد بن منصور وابن المنذر.
أخرجه ابن جرير في تفسيره "15/ 106" وسنده
ضعيف أبو صالح هو مولى أم هانيء ضعيف مدلس ولم يسمع من ابن عباس. قال شيخ الإسلام
أبو العباس في رده على البكري "1/
17": قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول: ترك ابن
مهدي أبا صالح باذام. وضعفه سفيان وغيره وكان الشعبي يمسك بإذنه ويقول: "ويلك
أنت لا تحفظ القرآن، وتفسير القرآن" وكان مجاهد ينهي عن تفسيره قاله البخاري،
اهـ. وعزا
السيوطي هذا الأثر لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردوية.
كذا في جميع النسخ. وليس ببعيد على القبوريين أن يدعوا
أبا طالب من دون الله مع أنه مات على الشرك اتفاقًا لفساد فطرهم وكدر أفهامهم
ومحقِ عقولهم وظلمة قلوبهم. وقد قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: اعلم أن شرك
الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين: أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولا يدعون
الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدّة فيخلصون لله
بعكس أهل زماننا. الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناسًا مقربين عند الله، إما
أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة، أو يدعون أحجارًا أو أشجارًا مطيعة لله ليست
عاصية، وأهل زماننا يدعون مع الله أناسًا من أفسق الناس. إلخ، اهـ. بتصرف من كشف
الشبهات.
أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب الحج 2/ 843 عن ابن عباس
قال: كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك. قال فيقول رسول الله ﷺ: "ويلكم!
قدٍ قدٍ" فيقولون إلا شريكًا هو لك. تملكه وما ملك. يقولون هذا وهم يطوفون
بالبيت.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/373، والبخاري في صحيحه
–كتاب العلم- 1/ 193 وفي -الرقاق- 11/ 418 كلاهما من طريق المقبري عن أبي هريرة...
به. وأخرجه الإمام أحمد 2/ 307-
518 من طريق معاوية بن مغيث -أو معتب- الهذلي عن أبي
هريرة بلفظ قريب من هذا.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده "6/ 28- 29"،
والترمذي في سننه -كتاب صفة القيامة- "4/ 627"، وابن حبان -الموارد-
"ص 644" وابن خزيمة في كتاب التوحيد "ص 264- 265"، وقال
الحاكم في مستدركه "1/ 67": حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، والآجري
في الشريعة "ص 345" كلهم من طريق قتادة عن أبي المليح عن عوف بن مالك...
به وفيه قصة. وقال الهيثمي في المجمع "10/ 370" رواه الطبراني بأسانيد ورجال
بعضها ثقات، اهـ. وللحديث طرق عن عوف بن مالك ليس هذا موضع بسطها.
أخرجه الإمام مالك في الموطأ "1/ 123"، والحميد
في مسنده "1/ 191"، والإمام أحمد في مسنده "5/ 315- 319-
322"، وأبو داود في سننه -كتاب الصلاة- "2/ 130"، والنسائي في سننه
-كتاب الصلاة- "1/230"، وابن ماجه في
سننه -كتاب إقامة الصلاة- "1/ 308"، والطحاوي في مشكل الآثار "4/ 223"، والبيهقي في سنن "2/ 8"، والبغوي
في شرح السنة "4/ 104"، وابن عدي في مقدمة الكامل "1/
62".كلهم من طريق يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبّان عن ابن محيريز أن
رجلًا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلًا بالشام يكنى أبا محمد يقول: إن الوتر
واجب. فقال المخدجي: فرُحت إلى عبادة بن الصامت، فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد
فأخبرته بالذي قال أبو محمد. فقال عبادة: كذب أبو محمد سمعت رسول الله ﷺ يقول...
فذكره -هذا سياق مالك- وإسناده ضعيف، المخدجي يقال اسمه رفيه لا يعرف قاله الذهبي في
الميزان "4/ 600". وفي المنهل العذب المورد "8/ 47" قال ابن عبد البر:
مجهول، اهـ. وللحديث طريقان آخران عن عبادة بن الصامت. الطريق الأول: أخرجه الإمام
أحمد في مسنده "5/ 317"، وأبو داود في سننه -كتاب الصلاة- "1/
295"، والبغوي في شرح السنة "4/ 105" كلهم عن محمد بن مطرف عن زيد
بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي قال زعم أبو محمد أن الوتر واجب.
فقال عبادة بن الصامت كذب أبو محمد، أشهد أني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "خمس
صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان
له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس لله على الله عهد إن شاء غفر له وإن
شاء عذبه" هذا لفظ أبي داود وإسناده جيد. الطريق الثاني: أخرجه أبو داود
الطيالسي في مسنده "ص 78" عن زمعة عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني قال
كنت في مجلس من أصحاب النبي ﷺ فيه عبادة بن الصامت... فقال أشهد أني سمعت رسول
الله ﷺ يقول: "أتاني جبريل فقال يا محمد إن الله عز وجل قال: إني قد فرضت على
أمتك خمس صلوات..." فذكر الحديث. وإسناده ضعيف زمعة هو ابن صالح ضعفوه. انظر التهذيب
"3/ 338".
أخرجه الإمام أحمد في مسنده "5/ 346"،
والترمذي في سننه -كتاب الإيمان- "5/ 14" وقال: حديث حسن صحيح غريب،
والنسائي في سننه -كتاب الصلاة- "1/ 231"، وابن ماجه في سننه -كتاب
إقامة الصلاة-
"1/342": وإسناده صحيح. قال الحاكم في مستدركه
"1/ 6- 7": صحيح الإسناد لا تعرف له علة بوجه من الوجوه، وأقرّه الذهبي.
قال الإمام ابن القيم في كتابه الصلاة -ص 508 من مجموعة
الحديث النجدية: رواه هبة الله الطبري وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده "2/ 169"، وابن
حبان في صحيحه -موراد ص 87- وقال الهيثمي في المجمع "1/ 292": رواه أحمد
والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات. قلت وفي سند أحمد: عيسى بن هلال
وثقه ابن حبان.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد على حديث عبادة هذا: رواه
الطبراني وفيه سلمة بن شريح. قال الذهبي: لا يعرف، وبقية رجاله رجال الصحيح.، اهـ.
"5/ 246".
أخرجه الإمام أحمد في مسنده "5/ 238" مطولًا،
والطبراني في الكبير "كما في المجمع". قال الهيثمي في مجمع الزوائد
"6/ 215": ورجال أحمد ثقات إلا أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير لم يسمع
من معاذ. وإسناد الطبراني متصل وفيه عمر وبن واقد القرشي وهو كذاب.
قال الهيثمي في المجمع على حديث أبي الدرداء هذا: رواه
الطبراني وفيه شهر بن حوشب وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات.، اهـ والصواب في حال شهرِ
أنه حسن الحديث في الشواهد والمتابعات.
والله أعلم. وحديث أبي الدرداء هذا له شواهد كثيرة يرتفع
الضعف عنه بها. انظر مجمع الزوائد "5/ 216- 217".
أخرجه الترمذي في سننه -كتاب الإيمان- "5/
14". قال النووي في رياض الصالحين "ص440" إسناده صحيح.
أخرجه ابن ماجه في سننه -"1/ 27"- وإسناده
ضعيف لأن رواية أبي جعفر الرازي -عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان- عن الربيع
بن أنس مضطربة جدًا. قال ابن حبان في الثقات "4/ 228": والناس يتقون من
حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه لأن في أحاديثه عنه اضطرابًا كبيرًا.، اهـ.
على أن في أبي جعفر والربيع ضعف يسير. وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه: إسناده
ضعيف.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد "1/ 29": رواه
الطبراني في الأوسط وإسناده لم أر أحدًا ذكرهم إلا أن الطبراني قال: تفرد به موسى
بن إسماعيل، قلت وليس هو التبوذكي لأن هذا يروي عن التابعين والله أعلم.
صحيح مسلم شرح النووي "1/ 202" إلى "206".
القائل هو النووي
متفق عليه
فال الإمام ابن قدامة في كتابه المغني "1/
302": وظاهر كلام الخرقي أن الآذان سنةٌ مؤكدة وليس بواجب لأنه جعل تركه
مكروهًا. وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، لأنه دعاء إلى الصلاة فأشبه قوله:
"الصلاة جماعة" وقال أبو بكر بن عبد العزيز هو من فروض الكفايات. وهذا
قول أكثر أصحابنا، وقول أصحاب مالك. وقال عطاء ومجاهد والأوزاعي: هو فرض لأن النبي
ﷺ أمر به مالكًا وصاحبه. وداوم عليه هو وخلفاؤه وأصحابه، والأمر يقتضي الوجوب...
الخ، اهـ. ورجح شيخ الإسالم أبو العباس قول أكثر الأصحاب "مجموع الفتاوى 22/ 64" "حاشية
الروض المربع 1/ 429".
الذي عليه أكثر أصحابنا في هذه المسألة -كما في الأصناف-
أنها فرض كفاية. وعن الإمام أحمد رواية بوجوبها اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -كما
في الإنصاف وهو مذهب الإمام أبي حنيفة. وعن الإمام أحمد رواية أخرى بسنيتها وفاقًا
لمالك وأكثر أصحاب الشافعي. انظر المغني لابن قدامة "2/ 272" والإنصاف
للمروادي "2/ 420". وحاشية الروض المربع لابن قاسم "2/ 492".
أخرجه أحمد في مسنده "4/ 295"، وأبو داود في
سننه -كتاب الحدود- "4/ 602"، كلاهما من طريق مطرف بن طريف عن أبي الجهم
مولى البراء عنه.. به وإسناده جيد. وأخرجه الترمذي في سننه -كتاب الأحكام- "3/ 634"، والنسائي في سننه "6/ 109"،
وابن ماجة "2/ 869" كلهم من طريق عدي بن ثابت عن البراء فال: مرّ بي
خالي فذكر. وأخرجه أبو داود "4/ 602" من طريق عدي بن ثابت عن يزيد بن
البراء عن أبيه قال: لقيت عمي... فذكره. وقال الترمذي: وقد روى محمد بن إسحاق هذا
الحديث عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن البراء...، اهـ. قال وفي الباب عن
قرّة المزني. قال المنذري -رحمه الله- في مختصره سنن أبي داود "6/ 268"
على هذا الحديث: وقد اختلف في هذا اختلافًا كثيرًا. فروى عن البراء كما تقدم. وروى
عنه عن عمه كما ذكرناه أيضًا. وروي عنه قال: "مرّ بي خالي أبو بردة بن دينار
ومعه لواء" وهذا لفظ الترمذي فيه. وروي عنه عن خاله وسماه "هشيم في
حديثه: الحارث بن عمرو" وهذا لفظ ابن ماجه فيه. وروي عنه قال: مرّ بنا ناسٌ
ينطلقون". وروي عنه: "إني لأطرف على إبل ظلت لي في تلك الأحياء في عهد
رسول الله ﷺ إذ جاءهم رهط معهم لواء" وهذا في لفظ النسائي.،اهـ. قال الإمام
شمس الدين ابن القيم -رحمه الله-: وهذا كله يدل على أن الحديث محفوظ ولا يوجب هذا
تركه بوجه، فإن البراء بن عازب حدّث به عن أبي بردة بن دينار واسمه الحارث بن
عمرو. وأبو بردة: كنيته، وهو عمّه وخاله، وهذا واقع في النسب، وكان معه رهط،
فاقتصر على ذكر الرهط مرّة، وعين من بينهم أبا بردة بن دينا باسمه مرّة، وبكنيته
أخرى، وبالعمومة تارة، وبالخوُلة أخرى. فأي علة في هذا توجب ترك الحديث؟ والله
الموفق للصواب. والحديث له طرق حسان يؤيد بعضها بعضًا. منها: مطرف عن أبي الجهم عن
البراء. ومنها: شعبة عن الركين بن الربيع عن عدي بن ثابت عن البراء. ومنها: الحسن
بن صالح عن السدي عن عدي عن البراء. ومنها: معمر عن أشعث عن عدي عن يزيد بن البراء
عن أبيه.، اهـ.
هكذا نقل الشيخ سند مسلم. ولمسلم في هذا الحديث أكثر من شيخ. قال
-رحمه الله-: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب. قال يحيى
أخبرنا. وقال الآخران: حدثنا وكيع... فذكره "2/ 666".
الذي في صحيح مسلم "2/ 667": وأن يقعد عليه،
بدل أن يكتب عليه. (وردت "وأن يكتب عليه" في البدر المنير لابن الملقن
والتلخيص الحبير لابن حجر وتحريم رفع القبور للشوكاني والبناء على القبور للمعلمي
وأحكام الجنائز للألباني
No comments:
Post a Comment