Saturday, July 22, 2023

التَّفْرِيطُ فِي بِرِّ الأَبِ{{{خالد بن سعود البليهد}} توقيع الخاتمة أبوعصام/منصور بن محمد الشريدة

 

التَّفْرِيطُ فِي بِرِّ الأَبِ{{{خالد بن سعود البليهد

@binbulaihed

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد

فإن بر الأب من أعظم الطاعات وأجل القربات التي يغفل عنها كثير من الأبناء لاسيما في زمن الفتنة بالدنيا والانشغال بالملذات وقد ورد فضل عظيم في بر الوالد في السنة المطهرة قال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه). رواه أحمد.

ويكفي للأب فضل عظيم أنه سبب في وجود الابن في هذه الحياة وهو عنوان الولد وإليه ينسب في الدنيا ويدعى الولد باسمه واسم أبيه يوم القيامة وكم شقي الأب في تربيته وتعليمه وتوجيهه للخير والانفاق عليه وحمايته من الآفات فلما كبر الولد واستغنى ورزقه الله أعرض عن أبيه وتناسى إحسانه وقابل الإحسان بالإساءة وكان من أهل الجحود قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).

وقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي. قال: أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أبوك). وهذا يدل على أن بر الأم أعظم من بر الأب وأنه مقدم عليه فبالغ بعض الأبناء في بر الأم ومالوا إليها حتى فرطوا في بر الأب وتناسوه وقطعوا بره أو قصروا فيه وهذا التصرف فيه ظلم للأب ومخالف للشرع ووقوع في ذنب متوعد عليه بالنار ولا شك أن القيام ببر الأم لا يستلزم تضييع حق الأب والتفريط فيه فالشارع جعل لكل منهما حق في البر والصلة قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا). وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف. قيل: من يا رسول الله قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة). رواه مسلم. ومن بر الأم وترك بر الأب كان كمن صلى ولم يزك ماله. ويلاحظ أن القرآن في جميع آيات البر لم يفرق بين الأبوين في وجوب البر والصلة قال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ). وقال ابن حزم في مراتب الإجماع: (واتفقوا أن بر الوالدين فرض).

وثمة أحوال يقصر فيها بعض الأبناء في بر أبيهم متأولين أنه ليس له حق في البر وهذا من تلبيس الشيطان عليهم وضعف إيمانهم وجهلهم وقلة تعظيمهم لشعائر الدين:

الحالة الأولى: أن يكون الأب فاسقا متورطا في الفواحش والمنكرات فهذا الأب وإن كان فاسقا إلا أن حقه في البر لا يسقط مطلقا ولو كان كافرا مرتدا قال تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا). فحفظ الله حق الوالد الكافر الذي يدعو ولده للكفر وأمر ببره فكيف بالفاسق ويجب على الولد في هذه الحالة أن يبر أباه ويطيعه في المعروف وينصحه ويوجهه برفق ويصبر على فجوره ولا يشاركه في المنكر ولا يطيعه في المعصية ويستر عليه قال ابن تيمية: (ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين وهو ظاهر إطلاق أحمد وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا). وقال في الفواكه الدواني: (ومن الفرائض العينية على كل مكلف بر الوالدين أي الإحسان إليهما ولو كانا فاسقين بغير الشرك بل وإن كانا مشركين للآيات الدالة على العموم والحقوق لا تسقط بالفسق ولا بالمخالفة في الدين). وكذلك من ابتلي بأم فاسقة يجب عليه أن يصبر عليها ويبرها ويحسن إليها ويحتمل أذاها ويمنعها من الفجور ويعزلها عن الناس قال ابن تيمية: (وأما برها فليس لهم أن يمنعوها برها ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء بل يمنعوها بحسب قدرتهم وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها).

الحالة الثانية: أن يكون الأب ظالما حارما للولد حقا من الحقوق مؤذيا له بالسب والدعاء عليه منغصا عليه في حياته الزوجية وغير ذلك من المظالم فهذا الأب الظالم يجب على الولد أن يصبر على ظلمه ويبره ويحسن إليه ويتودد له ويداريه ولا يدخل معه في خصومة ويدعو له بالهداية ولا يحل له قطيعته وإن لم ينقطع أذاه إلا بالخروج عنه جاز له الخروج والسفر لكن لا يقطع صلته بالاتصال والزيارة والمال قال ابن عباس رضي الله عنه: (ما من مسلم له أبوان فيصبح وهو محسن إليهما إلا فتح الله له بابين من الجنة ولا يمسي وهو مسيء إليهما إلا فتح الله له بابين من النار ولا سخط عليه واحد منهما فيرضى الله عنه حتى يرضى عنه). قال: قلت: وإن كانا ظالمين. قال: (وإن كانا ظالمين). ولا يجوز للولد أن يدعو على أبيه الظالم وأمه الظالمة بالهلاك أو العقوبة وإنما يقول في دعائه اللهم اهده اللهم اكفنا شره ونحو ذلك مما فيه صرف الأذى عنه من غير إساءة لمقام والديه لأن الله أمر بمصاحبتهما بالمعروف ومخاطبتهما بكريم القول وخفض الجناح لهما ونهى عن مخاطبتهما بسوء الكلام.

الحالة الثالثة: أن يحصل بين أبيه وأمه طلاق فيحمل بعض الأبناء على أبيهم ويسيئون به الظن ويحملونه المسؤلية الكاملة ويقطعون بره ويعاملونه بالإساءة ويتناسون إحسانه ومعروفه ويعيشون هذه الضغينة طيلة حياتهم ويسقطون حقه العظيم من البر والصلة فهذا الأب المطلق يجب على الولد بره والإحسان إليه وعدم الإساءة إليه بحال من الأحوال سواء كان مقصرا أم لا لأن تقصير الوالد لا يسقط بره مطلقا لعلو منزلته وعظيم حقه وكثرة إحسانه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه). رواه مسلم. ولو فكر الولد بهدوء وتعقل الأمر على حقيقته علم أن ما حصل كان أمر مقدرا من الله لحكمة قد تخفى عليه وأن القلوب إذا تخالفت والنفوس إذا تنافرت وكانت الحياة في ضنك لم يكن لها دواء إلا الفراق قال تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا). وأدرك أن زعله وقطيعته لا يرد شيئا فات ولا يغير الحال وحينئذ سيتصالح مع نفسه ويتعايش مع ظرفه ويصل والده ويحسن إليه ليعيش في سعادة واطمئنان.

وقطيعة الولد لأبيه لأي سبب من الأسباب من أكبر الكبائر لحديث أبي بكرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا قالوا: بلى, يا رسول الله, قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئا فقال: ألا وقول الزور قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت). متفق عليه. وأعظم جرما وأكثر إثما أن يعادي الولد أباه ويكون حربا عليه ويفجر في خصومته وشكايته ويعتدي عليه وينكد عليه عيشه ويصده عن الطاعة قال الحسن البصري: (منتهى القطيعة أن يجالس الرجل أباه عند السلطان).

ومن البلاء أن يساكن الولد أباه في نفس البلد وتمضي عليه الشهور والأعوام وهو هاجره لا يزوره وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هجر المسلم فعن أبي أيوب قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام). متفق عليه. وهذا عام في المسلمين فكيف بالوالد فإن حقه أعظم وآكد.

ومن صور العقوق أن يكون الولد غنيا قد وسع الله عليه في رزقه وأبوه قد ابتلاه الله بالفقر وغلبته الديون تحت قهر الرجال وعلته الهموم هم السكنى وهم العيال وهم غلاء الأسعار وهو صابر متعفف فيتخلى عنه الولد ويستأثر بما آتاه الله من الغنى ويكون أنانيا لا يمد يد العون لأبيه ولا يسعى في قضاء ديونه ولا يؤمن له حياة كريمة.

ومن قلة فقه الولد الصالح وضعف بصيرته أن ينشغل بالنسك وينصرف إلى أبواب الخير عن بر والديه وهما في حاجة إليه وقد ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك. قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد). فبر الوالدين أعظم الأعمال ثوابا بعد إقامة الصلاة كما ورد في الصحيحين ويقدم على سائر الطاعات قال سعيد بن سفيان الثوري: (ما جفوت أبي قط وإنه ليدعوني وأنا في الصلاة غير المكتوبة فأقطعها له). أما إذا أذنا له بطلب العلم والجهاد والسفر في الطاعة ولم يكونا في حاجته وكان ذلك يفرحهما فالمضي في ذلك داخل في برهما.

ومن بر الولد لأبيه أن يقضي حوائجه ويكفيه هم الدنيا ليعينه على التفرغ في وجوه الخير والطاعة والاشتغال بهم الآخرة قيل لمعاوية بن قرة: (كيف ابنك معك؟ قال: نعم الأبن كفاني أمر دنياي وفرغني لآخرتي).

ومن فاته بر والده في الدنيا أو قصر في بره فليبره بعد وفاته في هذه الوجوه لعل الله أن يغفر له بعض تقصيره ومن تاب تاب الله عليه:

1- أن يقضي دين والده ويبرأ ذمته إن كان قادرا على ذلك فإن ذلك من أعظم البر والإحسان إليه بعد موته والولد النبيل لا ترضى نفسه أن تكون نفس والده محبوسة بدينه وهو يتقلب في النعم.

2- أن يصل أصدقاء أبيه فعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه فقال ابن دينار: أصلحك الله إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير. فقال عبد الله: إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه). رواه مسلم.

3- أن يتصدق عن والده بأي نوع من أنواع المال وأعظم ذلك إن أغناه الله وأراد أن يحسن إليه فليجعل له وقفا صدقة جارية من بناء مسجد أو حفر بئر أو بناء مدرسة وغيرها من وجوه البر لما ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس أن سعد بن عبادة رضي الله عنهم أخا بني ساعدة توفيت أمه وهو غائب عنها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها شيء إن تصدقت به عنها قال نعم قال فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها).

4- أن يكثر الاستغفار والدعاء له قال تعالى: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، رواه مسلم. وقد دلت السنة على أن الوالد ترفع درجته في الجنة بسبب استغفار ولده فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: أنى هذا فيقال: باستغفار ولدك لك). رواه ابن ماجه. قال عامر بن عبدالله بن الزبير: (مات أبي فما سألت الله حولا إلا العفو عنه).

وأعظم البر أن يحرص الولد على هداية أبيه المنحرف إلى التوحيد والسنة وليكن خطابه إليه برفق ولين جانب وحسن منطق وتؤدة وقد كان النبي إبراهيم عليه السلام يحاور أباه المشرك برفق قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا). ومن رزق والدا مسلما سنيا فليحمد الله على هذه النعمة التي حرمها كثير من الخلق.

والأم التي تأمر أولادها بقطع صلة أبيهم وقرابته أم ظالمة مخالفة للشرع منزوعة الرحمة لا يهمها سعادة أبنائها واستقرارهم وراحتهم وهي تعرضهم للوقوع في الإثم ولا يحل للأولاد أن يطيعوا أمهم في هذه المعصية لأن البر لا يكون في المعصية إنما يكون في الطاعة. ونزاع الأم مع الأب في أمر لا يوجب قطيعة الأولاد للأب ويجب عليهم أن يكونوا في الحياد والحرص على إرضاء كلا الطرفين ولا يميلوا إلى أحدهما ويظلموا الآخر وقد روي أن رجلا قال للإمام مالك: والدي في السودان كتب إلي أن أقدم عليه وأمي تمنعني من ذلك فقال له مالك: (أطع أباك ولا تعص أمك). وكذلك لا يحل للأب الظالم أن يأمر الأولاد بقطع صلة أمهم وأخوالهم لأن هذا من الظلم الذي لا يرضاه الله ولا يحبه وينبغي للأولاد أن يداروا والديهم في هذه المسائل ولا يظهروا لهم المخالفة ويطيعوا ربهم في صلة الرحم احتسابا للثواب ورغبة في النعيم ونيل رضا الله عز وجل. وقد سألني رجل فقال أبي يمنعني من زيارة أخوالي ويشدد علي فقلت له زرهم في الخفية وبرهم طاعة لله ولا تخبر أباك بذلك وأظهر لأبيك الموافقة حين تلقاه وتكون قد جمعت بين بر أمك وبر أبيك بالمعروف من غير أن تؤذي أحدهما.

ويجب على الولد أن يبر أباه في جميع الأحوال ولا يقطع الصلة به مهما كانت الظروف وليتعامل مع الله ويكون صادقا مع نفسه ولا يكن همه إرضاء أحد والديه على حساب الآخر فإنه لن يغني عنه شيئا يوم القيامة ولن يعذره الله في تقصيره في حق أحد منهما قال تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ). وليجعل نصب عينيه قول نبينا الكريم: (لا يدخل الجنة قاطع). قال سفيان: يعني قاطع رحم. متفق عليه. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (العجب كل العجب من عاقل يعق والديه بعد قراءته سورة لقمان وقد قرنهما الله تعالى بنفسه). وليتأمل أن الدنيا إنما هي أيام قصيرة وأن الدائرة تدور على الظالم وتعجل له عقوبته في الدنيا قبل الآخرة وكم من ولد عق أباه في حياته ومات وهو غضبان عليه فندم أشد الندم وضاقت عليه دنياه وربما دعى عليه فأفسد عليه دنياه وآخرته.

قال أمية بن أبي الصلت الثقفي في ابنه العاق:

غَذَوْتُكَ مولوداً وَعْلتُكَ يَافِعاً * تُعَلُّ بِما أُدْنِي إِليكَ وتَنْهَلُ

إِذا لَيلةٌ نابَتْكَ بالشَّكْوِ لَم أَبِتْ * لِشَكْواكَ إِلا سَاهراً أَتَمَلْمَلُ

كَأَنِّي أَنَا المَطرُوقُ دَوَنكَ بِالذي * طُرِقْتَ به دُوني وعَينيَ تَهْمِلُ

تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَليكَ وإِنَّها * لتَعلَمُ أنَّ المَوتَ حَتمٌ مؤجّلُ

فَلمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ والغايةَ التي * إِليهَا مَدَى مَا كُنْتَ فِيكَ أُؤَمِّلُ

جَعَلْتَ جَزائِي مِنكَ جَبْهاً وغِلْظةً * كأَنَّكَ أنتَ المُنعِمُ المُتفضِّلُ

فَليتَكَ إِذ لَم تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتي * فَعَلْتَ كمَا الجارُ المُجاوِرُ يَفعَلُ

وسَمَّيْتَني باسْمِ المُفَنَّدِ رأيُهُ * وفِي رَأْيِكَ التَّفْنيدُ لَو كُنْتَ تَعقِلُ

تَراهُ مُعِداً للخِلاَفِ كَأَنَّهُ * بِرَدٍّ علَى أَهْلِ الصَّوَابِ مُوَكَّلُ

=========

ألوان من العقوق

عبد العزيز الحكمي

الخطبة الأولى:

الحمد لله على إحسانه، الحمد لله كما ينبغي لعظيم وجهه وسلطانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.

أما بعد فاتقوا الله عباد الله كما وصاكم بذلك الله، فقال جل في علاه:

(يا أيها الذين آمنوا...)

( يا أيها الناس ....)

(يا أيها الذين آمنوا ...)

ثم اعلموا أن خير الكلام ......

إخوة الإيمان، لا زالت قلوب كثير من الآباء وبالأمهات تئن من عقوق أبنائهم، ولا زالت عيونهم تدمع ألماً وقهراً من جرم أبنائهم، عقوق وقطيعة يندى الجبين لها، وتقشعر الأبدان عند سماعها، بل إن العقل ليكاد ينكرها لبشاعتها

غدوتك مولوداً وعلتك يافعاً *** تُعَل بما أدني إليك وتُنهل

إذا ليلةٌ نابتك بالسقم لم أبت *** لذكرك إلا ساهراً أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالذي *** طرقت به دوني وعيني تُهمِل

تخاف الردى نفسي عليك وإنها *** لتعلم أن الموت حتمٌ مؤجل

فلما بلغت السن والغاية التي *** إليها مدى ما كنت فيك أؤمل

جعلت جزائي منك سوءً وغلظةً *** كأنك أنت المنعم المتفضل

وسميتني باسم المفند رأيه *** وفي رأيك التفنيد لو كنت تعقل

تراه معداً للخلاف كأنه *** برد على أهل الصواب موكل

فليتك إذا لم ترع حق أبوتي *** فعلت كما الجار المجاور يفعل

فأوليتني حق الجوار ولم تكن *** علي بمالي دون مالك تبخل

أمسلمٌ تربى على الإسلام يعق والديه؟!! إنها جريمة كبرى ورزيةٌ عظمى، ألم يجعل الله حق الوالدين في القرآن بعد حقه سبحانه؟، فقال سبحانه : (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) وأمرنا الله بشكرهما بعد شكره سبحانه، فقال عز وجل: (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) وقد سُأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة على وقتها . قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين) ، فأولاً: الصلاة على وقتها، هذا حق الله، ثم بر الوالدين .

ثم إن الله سبحانه وتعالى حرّم الإساءة إليهما ولو بكلمة أف، هذا في حق من يقضي حاجتهما لكن بتأفف، بتضجر يقضي حاجتهما، لكن بضيق صدر وعبوس وجه، فهذا من العقوق، فكيف بمن يرفض قضاء حاجتهما أصلاً؟! فالأمر أشد، بل كيف بمن يقطعهما البتة؟ بل كيف بمن يشتمهما؟ بل كيف بمن يضربهما؟!! نعم والله، إن من القلوب من هي أشد قسوة من الحجارة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار .

بعضهم يعتقد أنه ما دام الأب سيء الخلق فيستحق أن يُعامل بالمثل، ونقول والله لو كانا أبواك مشركين كافرين لما جاز لك عقوقهما، ولوجب عليك مصاحبتهما بالمعروف، ألم يقل سبحانه (وإنه جاهداك ..............فلا تطعهما) إن أمراك بالشرك، إن أمراك بالكفر فلا تطعهما (وصاحبهما في الدنيا معروفا)، هذا في حق الأبوين المشركين، فكيف بأبويك المسلمين؟!

قضى الله أن لا تعبدوا غيره حتما *** فيا ويح شخص غير خالقه أمّا

وأوصاكمُ بالوالدين فبالغوا *** ببرهما فالأجر في ذلك والرحما

فكم بذلا من رأفةٍ ولطافةٍ *** وكم منحا وقت احتياجك من نعما

وأمك كم باتت بثقلك تشتكي *** تواصل مما شقها البؤس والغما

وفي الوضع كم قاست وعند ودادها *** مُشقاً يذيب الجلد واللحم والعظما

وكم سهرت وجداً عليك جفونها *** وأكبادها لهفاً بجمر الأسى تحما

وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** حنواً وإشفاقاً وأكثرت الضما

فضيعتها لما أسنت جهالةً *** وضقت بها ذرعاً وذوقتها سما

وبت قرير العين ريان ناعماً *** مكباً على اللذات لا تسمع اللوما

وأمك في جوعٍ شديدٍ وغربةٍ *** تلين لها مما بها الصخرة الصماء

أهذا جزاها بعد طول عنائها *** لأنت لذو جهل وأنت إذاً أعمى

وما أشد العقوق وما أبشعه حينما يكون الأبوان في حال كبرهما وضعفهما أشد ما يكونان حاجةً إليك، فتتخلى عنهما وتنسى جميلهما، بعضهم يُقدّم زوجته على أمه، وآخر تغره وظيفته ومنصبه، وآخر يطغيه ماله ومرتبه، وآخر يرسلهما إلى دار العجزة والمسنين، وآخر يصلهما لكن بتضجر وكأنه ينتظر بفارغ الصبر ساعة موتهما، ألوانٌ من العقوق وصنوف من الواقع في الجحود، ويل هؤلاء من رب العالمين، ويلهم من الله، لماذا يعيش هؤلاء؟ أي خيرٍ يريدونه وأي رحمةً يرجونها؟! وأي بركة في حياتهم ينتظرونها؟!! ليس لهم إلا السخط والغضب من رب العالمين، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : (إن سخط الرب في سخط الوالد وإن رضا الرب في رضا الوالد) إنهم لو صدقوا في طلب مرضاة الله ورحمته لوجدوها في بر الوالدين .

جاء رجلٌ يريد الغزو، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: ( هل لك من أم؟ قال نعم، قال: فالزمها فإن الجنة عند رجلها ) رواه أحمد.

وقد أكد الله على بر الوالدين حال ضعفهما وكبرهما، فقال سبحانه (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً * واخفض لهما جناح ....الخ) الآية.

وقال عليه الصلاة والسلام: (رغِم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال : من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة ) رواه مسلم، والمعنى أن من أدرك والديه أو أحدهما عند الكبر ولم يبر بهما لم يدخل الجنة، ورغم أنفه، أي وأنفه لصقُ بالتراب من الذل، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه : (لا يدخل الجنة قاطع) .

أيها العاق أراك لو أحسن إليك حيوان مرةً واحدة لما نسيت الجميل فكيف بأمك وأبيك وقد أحسنا إليك الدهر كله؟!

ما أعجب حنان الأم؟ ما هذه الرحمة التي في قلبها؟ ترى ابنها يعقها ويقطعها ولا تريد أن تدعو عليه، إن الرحمة التي في قلبها تنسيها مرارة العقوق وآلام القطيعة، إنها أمه لا تزال تحبه وترجو له الهداية، وتطمع في ذلك ولا تيأس.

أعرف رجلاً قطع أمه ما يقارب الثلاثين عاماً، ثلاثون عاماً لم يسافر إليها لزيارتها يا عباد الله، مع قدرته، ما منعه إلا الكبر، ومع ذلك لما جاءت ساعة وفاتها، أرسلت إليه تريد أن تراه، وتستأنس بلقياه قبل أن تفارق الدنيا ، رحماك يا الله بها، وبجميع الأمهات الأحياء منهن والأموات .

لأمك حق لو علمت كبير *** كثيرك يا هذا لديه يسير

فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي *** لها من جواها أنةٌ وزفير

وفي الوضع لو تدري عليك مشقةٌ *** فكم غصص منها الفؤاد يطير

وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** ومن ثدييها شربٌ لديك نمير

وكم مرةٍ جاعت وأعطتك قوتها *** حنواً وإشفاقاً وأنت صغير

فضيعتها لما أسنت جهالةً *** وطال عليك الأمر وهو قصير

فآهٍ لذي عقل ويتبع الهوى *** وواهاً لأعمى القلب وهو بصير

فدونك فارغب في عميم دعائها *** فأنت لما تدعو إليه فقير

ذكر الشيخ الدكتور المطلق في إذاعة القرآن الكريم هذه القصة القصيرة المؤثرة، أن رجلاً تزوج بامرأةٍ وسرعان ما نشبت الخلافات بين أمه وزوجته، ودامت هذه المشاكل كثيراً، فلما يئس من حلها وقطع الأمل في إصلاحها قرر أن يذهب بأمه إلى شعب فيه ذئاب كيف تأكلها الذئاب ويستريح من أمه، فأخذ أمه وذهب بها حتى أتى الشعاب فوضعها ثم مضى، وفي الطريق أفاق من غفلته وأدرك فداحة عمله وقبيح جرمه، فعاد إلى أمه مسرعاً، ولكن متنكراً متلثماً، فلم رأته أمه ولم تعرفه قالت له : يا أخي، أرجوك أدرك ولدي، ذهب من هذا الطريق، إني أخاف عليه من الذئاب .

لا إله إلا الله، ما هذه الحنان، وما هذه الرحمة، وما هذا الذي يُقابله من العقوق والإجرام؟!

فلا تطع زوجةً في قطع والدة *** عليك يا ابن أخي قد أفنت العمرا

فكيف تنكر أماً ثقلك احتملت *** وقد تمرغت في أحشائها شهرا

وعالجت بك أوجاع النفاس وكم *** سرت لما رأت مولودها ذكرا

وأرضعتك إلى حولين كاملةً *** في حجرها تستقي من ثديها الدررا

ومنك ينجسها ما أنت راضعه *** منها ولا تشتكي نتناً ولا قذراً

وعاملتك بإحسانٍ وتربيةٍ *** حتى استويت وحتى صرت كيف ترى

فلا تفضل عليها زوجةً أبداً *** ولا تدع قلبها بالقهر منكسرا

والوالد الأصل لا تنكر لتربيةٍ *** واحفظه لا سيما إن أدرك الكبرا

أنسيت تلك الأيام، يوم كنت ترفس في بطنها، أنسيت تلك الليالي يوم كنت تُسهرها وترهقها، لأجلك أنت أمك لم تذق مناماً، ولم تستسغ طعاماً، تبكي لآلامك، وتحزن لبكائك، تضمك إلى صدرها، وترضعها من ثديها، وتحمل أذاك بديها، وذلك الأب كما جاع لتشبع أنت، وكم تعب لتستريح أنت، ما جمع المال إلا لك، وما أفنى عمره إلا ليبني مستقبلك، يعمل ولا يكل ولا يمل، حتى احدودب الظهر ورق العظم وشاب الرأس، أما آن لهذا الفارس أن يترجل ويستريح ؟ ثم بعد ذلك تنسى جميلهما، وتنكر فضلهما .

أيها المسلمون، ولعلي أشير إلى ألوانٍ من العقوق يغفل عنها الكثير:

أن تجعل زوجتك بجوارك في السيارة، وأمك في الخلف، هذا عقوق، أن تصعد في سلم الدرج وأبوك خلفك هذا عقوق، أن يجوع أبوك يوماً وأنت لا تدري عنه عقوق، أن تمرض أمك ولا تجد ثمن الدواء وأنت غافلٌ عنها هذا عقوق، رفع الصوت عندهما عقوق، أن تبخل على والديك بجزء من مرتبك مع قدرتك وحاجتهما عقوق، الإبطاء والتأخر في زيارتهما عقوق.

أيها المسلمون، كم من أمٍ عجوز، وكم من أب شيخ هرم، أصبحوا رهائن بيوتٍ لا يزارون وأسرى جدران وسرر لا يُذكرون، لا يُسأل عنهم ولا يعطف عليهم، لقد تنكر لهم أبناء هذا الجيل إلا من رحم الله، تتحدث الأم العجوز فلا أحد يلتفت إليها من أبنائها، ولا يصغون إليها، لماذا، قالوا : إنها عجوز ثرثارة كثيرة الكلام، ويتحدث الأب الهرم فلا يُستمع إليه ولا يبالى به، لماذا ؟ قالوا : إنه شيخ خرف لا يدري ماذا يقول، هذا عقوق والله، وكان الواجب إن تكلمت أمك أن تصغي إليها وتظهر إعجابك بحديثها، وإن تكلم أبوك أقبلت عليه وأبديت سروراً وانبساطاً بالحديث معه.

أيها المسلمون، ولعظم حق الوالدين جعل الله دعوة الوالد على ولده مستجابة، فالحذر كل الحذر.

هذا والد له ولد منحرف، فكان أبوه كثيراً ما ينصحه، فضجر الابن يوماً فرفع يده وضرب أباه، فأقسم الأب بالله ليأتين إلى بيت الله الحرام، وليدعون على ابنه عند الكعبة، فلما وصل الحرم، تعلق بأستار الكعبة، وأخذ يدعو على ولده أن يصيبه الله بالشلل، فما استتم كلامه إلا وقد استجاب الله دعائه، فأصيب ابنه بشلل نصفي، حتى أنه لم يستطع معه الكلام .قال عليه الصلاة والسلام : ( ثلاث دعوات مستجاباتٍ لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم ) حديث حسن .

أيها المسلمون، ولأن عقوق الوالدين ظلمٌ عظيم، فإن الله يعجل بعقوبة العاق في الدنيا قبل الآخر، قال عليه الصلاة والسلام: (كل الذنوب يغفر الله منها ما شاء إلا عقوق الوالدين، فإنه يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات) وإليكم هذه القصة الواقعية المؤلمة:

رجل خلّف ثلاثة أبناء، جمع الأموال، وبنا العمارات، وزوّج أبنائه الثلاثة من ثلاث أخوات، وكبر الأب، وماتت زوجته، فسكن مع أبنائه حتى بلغ من الكبر عتياً، ورد إلى أرذل العمر، وأصبح لا يعلم من بعد علمٍ شيئاً، فأبدت البنات حينها تضجراً وتذمراً من أبيهم، من أبي أزواجهم، وبعد إلحاح من الزوجات قرر الأبناء أن يذهبوا بأبيهم إلى الملجأ وهناك أخبروا المدير أنهما وجدوه في الطريق وأنه تبين لهم، أنه معتوه، فأتوا به إلى الملجأ يبتغون الأجر من الله، فشكرهم المدير على فعلهم الجميل، ولما خرجوا من الملجأ قالوا للحارس: إذا مات ذلك الشخص فاتصل بنا فنحن سنتبرع بأمور كفنه ودفنه لوجه الله، وعرضوا عليه جزءاً من المال إن هو اتصل بهم، وفي مساء ذلك اليوم أخذا الأب المسكين ينادي زوجات أبنائه : يا فلانه، يا فلانه، هاتوا الإبريق لأتوضأ، فقال له رجل بجواره: من فلانة هذه، إنك في ملجأ المسنين، وهنا أفاق الرجل ورد الله إليه عقله، فأخذ يسأل: من أتى بي إلى هذا المكان؟ فقيل له: ثلاث رجال شهامٍ كرام، فلما عرف صفاتهم، قال: هؤلاء أبنائي، ثم طلب اللقاء مع مدير الملجأ، ثم تبرع للملجأ بجميع ما يملك من عقارات وعمارات، وأحضر مدير التسجيل؛ لأنه رفض أن يخرج من الملجأ إلا ميتاً، وصُدّق على الأوراق، واشترط أن يخرج جميع الساكنون من عماراته ولو عرضوا دفع الإيجار، ثم ما لبث الرجل أن مات بعدها بيومين، إذ لم يحتمل الصدمة، وسمعه جيرانه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ويقول: اللهم اشهد إني غاضبٌ عليهم، اللهم كما حرمتهم من نعيم الدنيا فاحرمهما من نعيم الآخرة، اللهم لا ترني وجوههم في الآخرة إلا وهي ملتهبة بالنيران، اللهم، اللهم . حتى فارق الحياة .

اتصل الحارس بالأبناء، فجاءوا مُسرعين، وبعد أن دفنوه عادوا فرحين كي يتقاسموا الإرث، فإذا بالشرطة قد سبقتهم تبلغهم بمغادرة الشقق؛ لأنها أصبحت في ملك الملجأ، فلما تحققوا من الأمر طلبوا البقاء على أن يدفعوا الأجرة، فقالت الشرطة : هناك شرط بعدم البقاء ولو دفعتم مليونا، فنظر الرجال والنساء لبعضهم نادمين كلٌ يلقي اللوم على الآخر، وأُخرجوا وقد خسروا دنياهم، وأما جزائهم في الآخرة فعلمها عند ربي.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل لذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله حق حمده، والشكر له حق شكره، والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده، وعلى آله وصحبه.

أما بعد،

فلعل تائبٌ من العقوق أن يسأل: وكيف أؤدي حق والدي؟ ونقول: لن تستطيع ولكن اتق الله فيهما، وسيجازيك الله على القليل كثيراً.

هذا رجل جاء بأمه من خراسان إلى مكة وهي على ظهره، وقضى بها المناسك من طوافٍ وسعي إلى غير ذلك وهي على ظهره، هل ترون أيها المسلمون صورةً للبر والرحمة أعظم من هذه؟ ومع ذلك رأى هذا الرجل الصحابي الجليل عبد الله بن عمر فسأله وقال له: (حملتُ أمي على رقبتي من خراسان حتى قضيت به المناسك، أتراني جزيتها، قال: لا، ولا طلقة من طلقاتها، ولكن أحسنت وسيثيبك الله على القليل كثيراً).

وهذه أمٌ عجوز لا تستطيع قضاء حاجتها إلا على ظهر ابنها، لا تستطيع أن تخرج الأذى منها إلا على ظهر ابنها، وكان ابنها يصرف وجهه عنها ويحملها على ظهره ثم يزيل عنها الأذى ويوضئها بيده، فجاء إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له : هل تراني يا أمير المؤمنين أديت حق أمي؟ فقال عمر: لا، قال الرجل: أليس قد حملتها على ظهري وحبست نفسي عليها، فقال عمر: إنها كانت تصنع ذلك بك وهي تتمنى بقائك، وأنت تصنع ذلك بها وتتمنى فراقها، فهل يستوون يا عباد الله ؟

قال عليه الصلاة والسلام : (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه.

ثم هذه قصيدة في حنان الأم لم أر قصيدة أروع منها، فقد وفق الشاعر أيما توفيق، وهي مؤثرة للغاية، وهي قصيدة تعبيرية تصويرية ليست حقيقية، لكنها والله معبرة:

قال الشاعر:

أغرى امرؤٌ يوماً غلاماً جاهلاً *** بنقوده كي ما ينال به الضرر

رجل عنده مال، أغرى طفلاً صغيراً بنقوده، كي ما ينال به الضرر.

قال ائتني بفؤاد أمك يا فتى *** ولك الدراهم والجواهر والدرر

قال يعني اذبح أمك واعطني قلبها ولك الدراهم والجواهر والدرر.

فمضى ( مضى هذا الطفل)

فمضى وأغرز خنجراً في صدرها *** والقلب أخرجه وعاد على الأثر

لكنه من فرط سرعته هوى *** فتدحرج القلب المقطع إذ عثر

سقط القلب من يد الابن وهو يركض بسرعة .

ناداه قلب الأم وهو معفرٌ (بالتراب والدم)

ناداه قلب الأم وهو معفر *** ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر؟!

فكأن هذا الصوت رغم حنوه ( رغم أنه رقيق )

فكأن هذا الصوت رغم حنوه *** غضب السماء على الغلام قد انهمر

فارتد نحو القلب يغسله بما *** فاضت به عيناه من دمع العبر

حزناً وأدرك سوء فعلته التي *** لم يأتها أحدٌ سواه من البشر

لقد فاق من غفلته وندم، وقرر أن يقتل نفسه بنفس الخنجر :

واستل خنجره ليطعن نفسه طعناً *** فيبقى عبرةً لمن اعتبر

ويقول : يا قلب، ينادي قلب أمه:

ويقول يا قلب انتقم مني *** ولا تغفر فإن جريمتي لا تغتفر

ناده قلب الأم كف يداً *** ولا تذبح فؤادي مرتين على الأثر

زر والديك وقف على قبريهما *** فكأنني بك قد نُقلت إليهما

ما كان ذنبهما إليك فطالما *** منحاك محض الود من نفسيهما

كانا إذا ما أبصرا بك علةً *** جزعا لما تشكوه شق عليهما

كانا إذا سمعا أنينك أسبلا *** دمعيهما أسفاً على خديهما

وتمنيا لو صادفا لك راحةً *** بجميع ما يحويه ملك يديهما

أنسيت حقهما عشية أسكنا *** دار البلا وسكنت في داريهما

فلتلحقن بهما غداً أو بعده *** حتماً كما لحقاهما أبويهما

ثم أوجه هذه النصيحة إلى الآباء والأمهات، حتى لا يذوقوا غداً العقوق من أبنائهم، أقول: ربوا أبنائكم على تعاليم الإسلام، وأؤكد على الصلاة، فإنه من يربي أبنائه من الصغر على الصلاة، وبناته على الحشمة وعلى الحجاب فإن الصلاة والقرآن كفيلةُ بأن تصلحهم، وأن تهذب أخلاقهم .

نسأل الله جل وعلا أن يصلح أبناء المسلمين .

نسأل الله جل وعلاً أن يردهم إليه مرداً جميلاً.

========

بسم الله الرحمن الرحيم

التحذير من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم

محمد إبراهيم الحمد

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد : فمن الظواهر السيئة ما نراه هذه الأيام من كثير من الأبناء من العقوق للوالدين ، وما نشاهده بين الأقارب من القطيعة ، وفيما يلي كلمات سريعة في التحذير من عقوق الوالدين والحث على برِّهما ، والتحذير من قطيعة الرحم وبيان الآداب التي ينبغي أن تراعى مع الأقارب ، نسأل الله أن ينفع بها .

أولاً : التحذير من عقوق الوالدين والحث على برهما

من صور العقوق :

1- إبكاء الوالدين وتحزينهما بالقول أو الفعل .

2- نهرهما وزجرهما ، ورفع الصوت عليهما .

3- التأفف من أوامرهما .

4- العبوس وتقطيب الجبين أمامهما ، والنظر إليهما شزراً .

5- الأمر عليهما .

6- انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة .

7- ترك الإصغاء لحديثهما .

8- ذم الوالدين أمام الناس .

9- شتمهما .

10- إثارة المشكلات أمامهما إما مع الأخوة ، أو مع الزوجة .

11- تشويه سمعتهما .

12- إدخال المنكرات للمنزل ، أو مزاولة المنكرات أمامهما .

13- المكث طويلاً خارج المنزل ، مع حاجة الوالدين وعدم إذنهما للولد في الخروج .

14- تقديم طاعة الزوجة عليهما .

15- التعدي عليهما بالضرب .

16- إيداعهم دور العجزة .

17- تمني زوالهما .

18- قتلهما عياذاً بالله .

19- البخل عليهما والمنة ، وتعداد الأيادي .

20- كثرة الشكوى والأنين أما الوالدين .

الآداب التي ينبغي مراعاتها مع الوالدين :

1- طاعتهما بالمعروف ،والإحسان إليهما ، وخفض الجناح لهما .

2- الفرح بأوامرهما ومقابلتهما بالبشر والترحاب .

3- مبادأتهما بالسلام وتقبيل أيديهما ورؤسهما .

4- التوسعة لهما في المجلس والجلوس ، أمامهما بأدب واحترام ، وذلك بتعديل الجلسة، والبعد عن القهقهة أمامهما ، والتعري ، أو الاضطجاع ، أو مد الرجل ، أو مزاولة المنكرات أمامهما ، إلى غير ذلك مما ينافي كمال الأدب معهما .

5- مساعدتهما في الأعمال .

6- تلبية ندائهما بسرعة .

7- البعد عن إزعاجهما ، وتجنب الشجار وإثارة الجدل بحضرتهما .

8- ان يمشي أمامها بالليل وخلفهما بالنهار .

9- ألا يمدَّ يدَه للطعام قبلهما .

10- إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين .

11- الاستئذان عليهما حال الدخول عليهما ، أو حال الخروج من المنزل .

12- تذكيرهما بالله ، وتعليمهما ما يجهلانه ، وأمرهما بالمعروف ، ونهيهما عن المنكر مع مراعاة اللطف والإشفاق والصبر .

13- المحافظة على سمعتهما وذلك بحس السيرة ، والاستقامة ، والبعد عن مواطن الريب وصحبة السوء .

14- تجنب لومهما وتقريعهما والتعنيف عليهما .

15- العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به .

16- فهم طبيعة الوالدين ، ومعاملتهما بذلك المقتضى .

17- كثرة الدعاء والاستغفار لهما في الحياة وبعد الممات .

الأمور المعينة على البر :

1- الاستعانة بالله .

2- استحضار فضائل البر ، وعواقب العقوق .

3- استحضار فضل الوالدين .

4- الحرص على التوفيق بين الوالدين والزوجة .

5- تقوى الله في حالة الطلاق ، وذلك بأن يوصي كل واحد من الوالدين أبناءه ببر الأخر ، حتى يبروا الجميع .

6- قراءة سيرة البارين بوالديهم .

7- أن يضع الولد نفسه موضع الوالدين .

ثانياً : قطيعة الرحم – أسبابها – علاجها

* الرحم هم القرابة , وقطيعة الرحم هجرهم , وقطعهم .

والصلة ضد القطيعة , وهي كناية عن الإحسان إلى الأقارب , والرفق بهم , والرعاية لأحوالهم .

أسباب قطيعة الرحم :

1- الجهل

2- ضعف التقوى

3- الكبر

4- الانقطاع الطويل الذي يسبب الوحشة والنسيان

5- العتاب الشديد من بعض الأقارب مما يسبب النفرة منه

6- التكلف الزائد , مما يجعل الأقارب لا يحرصون على المجيء إلى ذلك الشخص , حتى لا يقع في الحرج .

7- قلة الاهتمام بالزائرين من الأقارب

8- الشح والبخل من بعض الناس , ممن وسع الله عليه في الدنيا , فتجده لا يواصل أقاربه , حتى لا يخسر بسببهم شيئاً من المال , إما بالاستدانة منه أو غير ذلك .

9- تأخير قسمة الميراث بين الأقارب .

10- الشراكة المبنية على المجاملة بين الأقارب .

11- الاشتغال بالدنيا.

12- الطلاق بين الأقارب.

13- بُعْد المسافة والتكاسل عن الزيارة .

14- قلة تحمل الأقارب .

15- الحسد فيما بينهم

16- نسيانهم في الولائم , مما يسبب سوء الظن فيما بينهم .

17- كثرة المزاح .

18- الوشاية والإصغاء إليها .

فضائل صلة الرحم

1- صلة الرحم شعار الإيمان بالله , واليوم الآخر.

2- سبب لزيادة العمر , وبسط الرزق .

3- تجلب صلة الله للواصل .

4- هي من أعظم أسباب دخول الجنة .

5- هي من محاسن الإسلام .

6- وهي مما اتفقت عليه الشرائع

7- هي دليل على كرم النفس , وسعة الأفق .

8- وهي سبب لشيوع المحبة , والترابط بين الأقارب.

9- وهي ترفع من قيمة الواصل .

10- صلة الرحم تعمر الديار .

11- وتيسر الحساب .

12- وتكفر الذنوب والخطايا .

13- وتدفع ميتة السوء .

الآداب والأمور التي ينبغي سلوكها مع الأقارب :

1- استحضار فضل الصلة , وقبح القطيعة .

2- الاستعانة بالله على الصلة .

3- توطين النفس وتدريبها على الصبر على الأقارب والحلم عليهم .

4- قبول أعذارهم إذا أخطأوا واعتذروا.

5- الصفح عنهم ونسيان معايبهم ولو لم يعتذروا .

6- التواضع ولين الجانب لهم .

7- بذل المستطاع لهم من الخدمة بالنفس والجاه والمال .

8- ترك المنة عليهم , والبعد عن مطالبتهم بالمثل .

9- الرضا بالقليل منهم .

10- مراعاة أحوالهم , ومعرفة طبائعهم , ومعاملتهم بمقتضى ذلك .

11- إنزالهم منازلهم .

12- ترك التكلف معهم , ورفع الحرج عنهم

13- تجنب الشدة في معاتبتهم إذا أبطأوا .

14- تحمل عتابهم إذا عاتبوا, وحمله على أحسن المحامل .

15- الاعتدال في المزاح معهم .

16- تجنب الخصام , وكثرة الملاحاة والجدال العقيم معهم .

17- المبادرة بالهدية إن حدث خلاف معهم .

18- أن يتذكر الإنسان أن الأقارب لحمة منه لابد له منهم , ولا فكاك له عنهم .

19- أن يعلم أن معاداتهم شرٌّ وبلاء , فالرابح في معاداة أقاربه خاسر , والمنتصر مهزوم .

20- الحرص على ألا ينسى أحداً منهم في الولائم قدر المستطاع .

21- الحرص على إصلاح ذات البين إذا فسدت .

22- تعجيل قسمة الميراث .

23- الاجتماعات الدورية .

24- تكوين صندوق للأسرة .

25- الحرص على الوئام والاتفاق حال الشراكة .

26- يراعي في ذلك أن تكون الصلة لله وحده , وأن تكون تعاوناً على البر والتقوى , ولا يقصد بها حمية الجاهلية الأولى .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

======

خطبة التحذير من عقوق الوالدين

يحيى بن موسى الزهراني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الأول والآخر ، والباطن والظاهر ، القوي القاهر ، الرحيم الغافر ، أحمده سبحانه على نعيمه الوافر ، وأشكره على فضله المتكاثر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم مكنونات الصدور ، ومخفيات الضمائر ، خلق الخلق وكلهم إليه صائر ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المطهّر الطاهر ، كريم الأصل زكي المآثر ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والمفاخر ، والتابعين ومن تبعهم من أولي البصائر ، ومن كان على درب الحق سائر . أما بعد : فأوصيكم _ عباد الله _ ونفسي بتقوى الله الملك العلام ، فإن تقواه سبحانه عروةٌ ليس لها انفصام ، وجذوة تنير القلوب والأفهام،{ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } .

عباد الله : جاء رجل إلى المحكمة العامة شاكياً باكياً قائلاً : أذن المؤذن لصلاة الفجر ، فذهبت لإيقاظ ولدي للصلاة ، فقام وصفعني على وجهي ، وانفجر باكياً خذوا بحقي من ولدي ، أنصفوني من فلذة كبدي ، آمره فيعصاني ، وأزجره فينهرني ، كرهت ولدي ، إني أبغضه ، لا أحبه ، لا أريده في بيتي ، ووجدت أمٌ مقتولة ، قتلها ولدها بأداة حديدية ، فيا ويحهم من ربهم وخالقهم ، يا ويلهم من الواحد القهار ، القوي الجبار ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " . . . لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ . . . " [ رواه مسلم ] ، فمن لعن والديه ، لعنه الله وغضب عليه ، وطرده من رحمته ، وأوقع به عقوبته ، فما بالنا بمن ضرب والديه أو قتل أحدهما أو كلاهما ، لهو للعنة أحق ، وللطرد مستحق ، قال جبار الأرض والسماء ، في سورة الإسراء : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } ، وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ ، مِنَ الْبَغْي وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ " [ رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] ، وهل هناك أعظم رحماً من الوالدين ، اللهم اغفر لوالدينا كما ربونا صغاراً ، اللهم أسبغ عليهم لباس العافية والتقوى ، اللهم ارفع لهما الدرجات ، واغفر لهما الزلات والهفوات ، واجمعنا بهم في أعلى الجنات ، يا غفور يا رحيم ، يا ودود يا كريم .

عباد الله : كان هناك شاب مكب على اللهو واللعب ، لا يفيق عنه ، وكان له والد صاحب دين ، كثيراً ما يعظ ولده ويقول له : يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته ، فإن لله سطوات ونقمات ، ما هي من الظالمين ببعيد ، وكان إذا ألح عليه زاد في العقوق ، وأنكر الحقوق ، وجار على أبيه ، ولما كان يوم من الأيام ألح على ابنه بالنصح على عادته ، فمد الولد يده على أبيه ، فحلف الأب مجتهداً ، ليأتين بيت الله الحرام ، فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو على ولده ، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام ، فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول :

يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا عرض المهامه من قرب ومن بعد

إني أتيتك يا من لا يخيب من يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد

هذا منازل لا يرتد من عققي فخذ بحقي يا رحمن من ولدي

وشل منه بحول منك جانبه يا من تقدس لم يولد ولم يلد

فقيل أنه ما استتم كلامه ، حتى يبس شق ولده الأيمن ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ ] ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ : دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ " [ رواه الترمذي ] ، وأحسن من قال :

والوالد الأصل لا تنكر له تربية واحفظ لاسيمـا إن أدرك الكبرَ

فما تؤدي له حقاً عليك ولو على عيونك حج البيت واعتمرا

نعوذ بالله من العقوق ، ومن فساد القلوب ، ومن جميع المعاصي والذنوب .

عباد الله : هذا عاق رمى أمه في دار العجزة ، ولم يزرها لعدة سنوات، وزمن طويل لم يعرفها، حتى الاتصال لم يتصل عليها، حرم نفسه برها، واكتسب الإثم بعقوقها، وعندما حانت ساعة وفاتها ، ولحظات احتضارها بكت ، بكت يا عباد الله ، لأنها الأم الحنون ، الأم الرءوم ، بكت ونادت المسؤولين وقالت لهم : اتصلوا على ولدي ، أريد أن أضمه قبل أن أموت ، أريد أن أقبله ، أريد أن أعانقه ، يا الله يالها من رحمة جعلها الله في قلوب الآباء والأمهات ، تريد أن تراه بعد ذلك العقوق ، إن حنانها وعطفها وحبها لوليدها ، أبى عليها إلا أن تضمه وتقبله وتعانقه ! فماذا عساه يفعل ؟ أيهرع لزيارتها ؟ أينكب عليها مقبلاً ومتسامحاً ؟ أيذرف دموع الحزن والأسى على ما فرط في جنب أمه ؟ لا هذا ولا ذاك ، فاتصلوا على ولدها ، وقالوا له : إن أمك تحتضر وتريد أن تراك وتقبلك ، وتملأ عينيها برؤيتك قبل أن تموت ، فقال العاق : ما عندي وقت ، وقتي ضيق ، عندي أعمال ، لدي تجارات ثم أغلق الهاتف ، ثم ماتت هذه الأم ، ولم تر ولدها ، ماتت ساخطة عليه ، ومن سخط عليه والديه ، سخط الله عليه ، فاتصل المسؤولون على الولد فقالوا : لقد ماتت أمك ، فرد قائلاً : أكملوا الإجراءات وادفنوها ، ياله من عقوق وأي عقوق ، أترمى الأم في دار المسنين ، أترمى قرة العين ، ومهجة الفؤاد دور الرعاية ، أترمى من جعلت بطنها لك وعاءً ، وصدرها لك طعاماً ، وحجرها لك مجلساً ، أتترك تلك الحبيبة التي سهرت الليالي والأيام ، أتعق من قاست لأجلك المتاعب والآلام ، وتركت الشراب والطعام ، من أجل راحتك وخدمتك ، قال تعالى سبحانه : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً } ، وأخرج النسائي والبزار والحاكم وقال صحيح الإسناد ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى " ، فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن العقوق دين ، وفاؤه الأبناء ، فمن بر والديه بر بنوه ، ومن عقهم عقوه ، فرحماك ربنا رحماك : { هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } .

أيها المسلمون : إن نظرةً دقيقة لما تعيشه المجتمعات الغربية ، لتؤكّد أن أقسى ما تعانيه تلك المجتمعات اليوم ، هو التفكك الأسري ، والفردية المقيتة ، التي ضاقت بها بيوتهم ، بعد أن ضاقت بها قلوبهم ، ولا عجب أن يطلبَ أهل الحي فيهم الجهةَ الأمنية ، لأنَّ مسِنًّا قد مات فأزكمت رائحتُه الأنوف بعد تعفّنه ، دون أن يعلم بموته أحد ، فسبحان الله عباد الله ، إنها الماديات ، والمراتب والثقافات ، حينما تغلب على القيم والأخلاقيات ، والأعجب من ذلك ، سريان هذا الداء إلى بعض المجتمعات الإسلامية ، وهي ترى بأمِّ عينها ، كيف أوشكت الأسرة الغربية على الانقراض ، فكم نسمع من مظاهر التفكك ، وصور الخلل والعقوق في بعض مجتمعاتنا ، فهذا أب لما كبرت سنّه ووهن عظمه ، واحتاج لأولاده ، لم يجدوا ما يكافئوه به ، إلا بالتخلص منه في دور الرعاية ، ذلكم هو الأب ، الذي من أجلك يكدّ ويتعب ، ويشقى وينصب ، لراحتك يسعى ، ويدفع عنك الأذى ، ينتقل في الأسفار ، يجوب الفيافي والقفار ، ويتحمّل الأخطار ، بحثًا عن لقمة تعيش بها ، والد طاعنٌ في السن يدخل المستشفى وهو على فراش المرض ، ويعاني مرارة العقوق والحرمان ، ويقول : " لقد دخلتُ هنا منذ أكثر من شهر ، ووالله ما زارني أحدٌ من أبنائي وأقاربي " ، بل يا عباد الله ، تعدَّى الأمر إلى ما هو أفظع من ذلك وأشنع ، فهذا مأفون لمَّا بلغت أمّه من الكبر عتياً ، تبرّم وضاق بها ذرعاً ، فما كان منه إلا أن أمر الخادمة فأخرجتها خارجَ المنزل ، لتبيت المسكينة على عتبة الباب ، وهذا آخر يطلق النارَ على أبيه فيرديه قتيلاً ، من أجل مشادّة كلامية ، يا الله ، رحماك يا إلهي ، أيُّ جريمة ارتكبها هؤلاء العاقون ، في حق أعزّ وأقرب الناس إليهم ؟ ويحهم على قبيح فعالهم ، وويل لهم لفساد حالهم ، ألا وإن نماذج العقوق والقطعية ، في زمننا هذا كثيرة فظيعة ، فأين الرحمة عند هؤلاء والديانة ؟ بل أين المروءة والإنسانية ؟ ، عباد الله ، إن الجنة والنار في بيوتكم ، رَوَى اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه بسند فيه مقال ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه ، مَا حَقّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدهمَا ؟ قَالَ : " هُمَا جَنَّتك وَنَارك " ، فويل لمن عق والديه ، وويل لمن قطع رحمه ، فعقوق الوالدين أعظم قطيعة للرحم ، ومن أشد الظلم ، بل هو تفتيت للقيم ، وذهاب للشيم ، وسقوط من هام القمم ، قال الجبار المنتقم : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ } ، اللهم أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا ، وأنت خير الغافرين ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين ، من كل ذنب ومعصية وخطيئة ، فاستغفروا الله وتوبوا إليه ، فيا فوز المستغفرين ، ويا بشرى التائبين .

الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وأمرنا بصلة الأرحام ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك القدوس السلام ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله بدر التمام ، ومسك الختام ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله البررة الكرام ، وصحابته الأئمة الأعلام ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب النور والظلام . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله ، { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } .

أيها المؤمنون : إن حق الوالدين هو آكد الحقوق بعد حق الله تعالى ، وحقهما يكون في الطاعة والاحترام ، والبر والإكرام ، والإنفاق عليهما ، والقيام برعايتهما ، وكان حقهما بعد حق الله مباشرة ، لأنهما سبب الوجود بعد الله عز وجل ، ولأنهما بذلا في سبيل التربية من الجهد ، ولقيا في ذلك من المشقة مالا يعلمه إلا الله ، فلهذا قال جلا وعلا : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا } ، وهذا حق تنادي به الفطرة السليمة ، ويوجبه العرفان بالجميل ، ويتأكد ذلك في حق الأم ، فهي التي قاست من آلام الحمل والوضع والإرضاع والتربية ما قاست ، في الصحيحين ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّك ، قَالَ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ أَبُوك ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ، بل جعل مرتبته بعد الشرك بالله تعالى ، ففي الصحيحين أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا ؟ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ " .

معاشر المسلمين : بعد أن أوردنا هذه القصص والنقول ، فحري بأصحاب الفهم والعقول ، أن يبادروا ببر والديهم ، فبرهما سبيل للجنة ، روى الطبراني بإسناد جيد ، أن جاهمة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشيره في الجهاد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألك والدان " ، قلت : نعم ، قال : " الزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما " ، ألا فاعلموا عباد الله ، أن بر الوالدين ، وصلة الرحم ، بركة العمر ، وزيادة الرزق ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " [ رواه أحمد وحسنه الألباني ] ، ثم اعلموا أيها الأبناء ، أنكم مهما عملتم من أعمال تبرون بها آباؤكم وأمهاتكم ، فلن تبلغوا بها شيئاً من الإحسان إليهما ، لأن فضلهما لا يجارى ، وبرهما لا يبارى ، وكيف تبلغون برهما وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَجْزِئُ وَلَدٌ وَالِدَهُ ، إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ " [ رواه مسلم ] ، بل كيف تبلغون برهما ، وَقَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجُلًا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ حَامِلًا أُمَّهُ عَلَى رَقَبَتِهِ فَقَالَ : يَا ابْنَ عُمَرَ أَتَرَى أَنِّي جَزَيْتهَا ؟ قَالَ : لَا ، وَلَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ من طلقاتها ، وَلَكِنَّك أَحْسَنْت ، وَاَللَّهُ يُثِيبُ عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرًا .

أيها الأخوة في الله : عقوق الوالدين ، داء استشرى في مجتمعات المسلمين ، ولابد للداء من دواء ، ولأسبابه من استقصاء ، إن من أسباب العقوق ، عقوق الآباء لآبائهم ، فالعقوق دين ، ولابد للدين من قضاء ووفاء ، ومن أسبابه يا رعاكم الله ، سوء التربية ، فالله الله بالتربية السليمة الصحيحة ، مروا أبناءكم بالصلاة ، وألزموهم كتاب الله ، لينشأ لنا جيل ، يمتثل قول الله تعالى : { وبالوالدين إحساناً } ، ألا وإن من أسباب العقوق والفساد ، عدم العدل بين الأولاد ، ومن أسبابه أيضاً ، أصدقاء السوء ، وأصحاب الشر ، ومن أسبابه إغداق الأموال ، التي بسببها يتعاطى الأبناء الدخان والمخدرات ، فيصبحوا شبحاً مخيفاً على الآباء والأمهات ، ألا وإن من أسباب العقوق ، فقدان القدوة الحسنة من قبل الآباء والأمهات ، وختاماً تأملوا قول رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " ، فكيف يكون ولد صالح ، ما لم تكن هناك تربية صالحة ، فيا عباد الله ، إن يكن صدَر منكم للأبوين عقوقٌ ، وسوء معاملة ، فتدارَكوا أعمارَكم وأوقاتَكم ، واغتنِموا حياتهما ، واسألوهما الصفح والتجاوزَ ، قبل أن تلقوا ربكم بهذه السيئة العظيمة ، والمعصية الجسيمة ، ومن كان عاقاً لهما حال حياتهما ، فليبرهما بعد موتهما ، فقد جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : هل بقيَ من برّ أبويَّ شيءٌ أبرّهما به بعد موتهما ؟ قال : " نعم ، الدعاءُ لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذُ عهدِهما مِن بعدهما، وصِلة رحمِك التي لا رحمَ لك إلاّ من قِبَلهما " ، هذا وصلوا وسلموا على النبي محمداً ،صلاة أبداً ، وسلاماً سرمداً ، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وآل بيته الطيبين الطاهرين ، وعن الطاهرات أمهات المؤمنين ، وعن الصحابة والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، اللهم أعنا على بر والدينا، اللهم وفق الأحياء منهما، واعمر قلوبهما بطاعتك، ولسانهما بذكرك، واجعلهم راضين عنا، اللهم من أفضى منهم إلى ما قدم ، فنور قبره، واغفر خطأه وزلـله، اللهم اجزهما عنا خير الجزاء ، وأفضل الثواب ، اللهم اجمعنا وإياهم في جنتك ودار كرامتك، برحمتك ومنتك ، يا أرحم الراحمين ، اللهم أصلح الأبناء والبنات ، ووفقهم للطاعات ، وجنبهم الفواحش والمنكرات ، يا مجيب الدعوات ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

=======

خطبة (عقوق الوالدين)

سامي بن خالد الحمود

أما بعد ..

شكاوى مقلقة .. وأخبار مزعجة .. تتفطر لها القلوب، وترتج لها النفوس، هي نذير شؤم، وعلامة خذلان، يجب على الأمة جميعها أن تتصدى لإصلاحه .. كيف لا، وهذه الشكاوى والأخبار، تتعلق بأعظم الحقوق بعد حق الله تعالى، إنها أخبار عقوق الوالدين .

هذا يهجر والده لأتفه سبب .. وأخرى تسب أماه لأنها منعتها من الخروج .. وآخر يتجاوز ذلك بالضرب والتعدي على أمه أو أبيه، وربما تصل القضية إلى حد القتل كما نسمع في بيانات تنفيذ بعض الأحكام .

عباد الله .. إننا حينما نتحدث عن عقوق الوالدين فإننا نتحدث عن أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله، كيف لا يكون كذلك وقد قرن الله برهما بالتوحيد فقال تعالى:(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) .

وقال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) .

قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يُغْلِظُ لهما في الجواب، ولا يُحِدُّ النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللاً لهما.

عباد الله .. إن من المؤسف حقاً، أن نسمع بين الحين والآخر، أن من أبناء الإسلام من يتنكر للجميل ويقابل الإحسان بالإساءة بعقوق والديه .

وإن العاقل ليتساءل: ما سبب انتشار مثل هذه الجرائم؟

لا شك أن من أسباب انتشارها ضعف الإيمان، إذ لا يجرؤ على هذا الأمر إلا من ضعف إيمانه وخوفه من الله، ومن الأسباب كذلك انتشار الفساد والأفلام المقيتة بوجهها الكالح وأفكارها الهدامة التي تفسد الشباب والبنات، وتجرئهم على الآباء والأمهات، ومنها: اختلاط الثقافات وتأثر بعض الناس بحياة الغربي الذي يعيش وحده، ويهجر أسرته وقرابته فلا يراهم إلا في المواسم والأعياد .

ولا ننسى كذلك سوء التربية أصلاً من الوالدين، فيشب الشاب والفتاة على البعد أو القصور والجفاف في علاقتهما بوالديهما فيكون هذا سبباً في العقوق .

أيها الأخوة المؤمنون: ومن عظم حق الوالدين في الإسلام ، أنه قرر برهما وحسن مصاحبتهما بالمعروف، حتى وإن كانا كافرين .

فعن أسماء رضي الله عنها قالت: قَدِمَتْ عليّ أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم، فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة أفأصلها؟ قال: ((نعم، صلي أمك)).

بل أوجب الله تعالى البر بهما، ولو كانا يأمران الولد بالكفر بالله، ويلزمانه بالشرك بالله، قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً) .

فإذا أمر الله تعالى بمصاحبة هذين الوالدين بالمعروف مع هذا القبح العظيم الذي يأمران ولدهما به، وهو الإشراك بالله، فما الظن بالوالدين المسلمين سيما إن كانا صالحين، تالله إن حقهما لمن أشد الحقوق وآكدها، وإن القيام به على وجهه من أصعب الأمور وأعظمها، والموفق من هدي إليه، والمحروم كل المحروم من صُرف عنه .

عباد الله .. لقد بلغ من تأكيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حق الوالدين أن جعله مقدماً على الجهاد في سبيل الله.

ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله)).

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل استأذنه في الجهاد: ((أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)) [رواه البخاري].

وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد)) [رواه الترمذي وصححه ابن حبان والألباني .

وعن معاوية بن جاهمة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرسول الله: أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: ((هل لك أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها)) [رواه النسائي وابن ماجه بإسناد لا بأس به].

عباد الله .. بر الوالدين من أعظم القربات وأجل الطاعات، وببر الوالدين تتنزل الرحمات وتكشف الكربات.

ولما علم سلفنا الصالح بعظم حق الوالدين، قاموا به حق قيام، وسطروا لنا صفحات مشرقة من البر .

كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا أراد أن يخرج من دار أمه وقف على بابها فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك يا بني ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: ورحمك الله كما سررتني كبيراً، ثم إذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك.

وهذا محمد بن سيرين التابعي الإمام رحمه الله كان إذا كلم أمه كأنه يتضرع .. قال ابن عوف: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه، فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئاً؟ قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.

وهذا أبو الحسن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهم كان من سادات التابعين، وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.

وهذا حيوة بن شريح، وهو أحد الأئمة ، يقعد في حلقته يعلم الناس ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قم يا حيوة فاعلف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم.

هذه بعض نماذج بر السلف لآبائهم وأمهاتهم، فما بال شبابنا اليوم يقصرون في بر آبائهم وأمهاتهم، وربما عق أحدهم والديه من أجل إرضاء صديق له، أو أبكى والديه وأغضبهما من أجل سفره أو قضاء متعته .

وكم نجد ونسمع من يلتمس رضا زوجه ويقدمه على رضا والديه .

إنها حقاً صورة من صور العقوق، حين يدخل الزوج على والديه عابس الوجه مكفهر الجبين، فإذا دخل غرفة نومه سمعت الأم الضَحَكات تتعالى من وراء باب الحجرة، أو يدخل ومعه هدية لزوجته، ولا تحلم أمه بأي هدية منه .

يا أخي .. نحن لا ندعوك إلى الجفاء مع زوجتك أو الإساءة إليها، بل ندعوك إلى أن تؤتي كل ذي حق حقه .

ثم قل لي: من أحق بالبر؟ هذه الأم المسكينة هي سبب وجودك، هي التي حملتك في بطنها تسعة أشهر، وتألمت من حملك، وكابدت آلام وضعك، بل وغذتك من لبنها، وسهرت ونمت، وتألمت لألمك، وسهرت لراحتك، وحملت أذاك وهي غير كارهة، وتحملت أذاك وهي راضية، فإذا عقلت ورجت منك البر عققتها؟

فالله الله أيها الأحبة ببر والدينا، وأن نسعى لإرضائهما وإسعادهما في هذه الدنيا، ليسعدنا الله ويجمعنا بهما في الجنة .

والحمد لله رب العالمين .

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ....

أيها الأخوة المؤمنون .. نحن في الواقع لا ينقصنا العلم بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة في فضل بر الوالدين، وأن عقوقهما من كبائر الذنوب.

وإنما ينقصنا العمل بما نعلم .. ينقصنا شيء من المبادرة والاهتمام ، وعدم الغفلة عن مواضع البر مع زحمة الأعمال الدنيوية، كزيارة الوالدين وتفقد أخبارهما والسؤال عن أحوالهما وسؤالهما عن حاجتهما .

وينقصنا كذلك الخوف من مغبة وعقوبة العقوق .

أيها العاق .. لا تغتر بحلم الله عليك .. فإنك مجزي بعملك في الدنيا والآخرة.

يقول العلماء: كل معصية تؤخر عقوبتها بمشيئة الله إلى يوم القيامة إلا العقوق، فإنه يعجل له في الدنيا، وكما تدين تدان.

ذكر بعض أهل العلم أن رجلاً حمل أباه الطاعن في السن، وذهب به إلى خربة فقال الأب: إلى أين تذهب بي يا ولدي، فقال: لأذبحك فقال: لا تفعل يا ولدي، فأقسم الولد ليذبحن أباه، فقال الأب: فإن كنت ولا بد فاعلاً فاذبحني هنا عند هذه الصخرة فإني قد ذبحت أبي هنا، وكما تدين تدان.

إني أدعو نفسي وإياكم أيها الإخوة ألا نخرج من هذا المكان المبارك إلا وقد عاهدنا الله على بر والدينا، وأن من كان بينه وبين والديه قطيعة أو خلاف أن يصلح ما بينه وبينهم، ومن كان مقصراً في بر والديه أن يبذل ما بوسعه في برها وإسعادها .

ومن كان براً بهما فليحافظ على ذلك، وإذا كانا ميتين فليتصدق لهما ويبرهما بدعوة صالحة أو عمل صالح يهدي ثوابه لهما.

اللهم إنا نسألك أن تعيننا جميعاً على بر والدينا، اللهم إن كنا قد قصرنا في برهما، أو أخطأنا في حقهما، اللهم فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسرفنا وما أعلنا، واملأ قلبيهما بمحبتنا، وألسنتهما بالدعاء لنا، يا ذا الجلال والإكرام .. اللهم وإن كانا ميتين فاغفر لها وارحمهما، وأعنا على الإحسان إليهما بعد موتهما .

اللهم صل على محمد ...

===

سلسلة :" قُرة العين في برالوالدين" 2-3

المقالة الثالثة :عاقبة عقوق الوالدين

صلاح عامر -مصر

بسم الله الرحمن الرحيم

أولاً : عقوق الوالدين من أكبر الكبائر :

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ»، قَالَ: وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: «وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَوْ قَوْلُ الزُّورِ»، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.(1)

وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكَبَائِرَ، أَوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ فَقَالَ: " الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، فَقَالَ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ، أَوْ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ».(2)

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ» قُلْتُ لِعَامِرٍ: مَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ صَبْرٍ، وَهُوَ فِيهَا كَاذِبٌ.(3)

ثانيًا : استحقاق لعنة الله لمن سب والديه أو لعنهما :

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أَبَاهُ، مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أُمَّهُ، مَلْعُونٌ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، مَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ، مَلْعُونٌ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ، مَلْعُونٌ مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ". (4)

وفي رواية ابن حبان: " وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ ".(5)

وعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْنَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبِرْنَا بِشَيْءٍ أَسَرَّهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا أَسَرَّ إِلَيَّ شَيْئًا كَتَمَهُ النَّاسَ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ".(7)

ثالثًا : تعجيل عقوبة العاق لوالديه في الدنيا قبل الآخرة :

عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ , وَالْعُقُوق " .(6)

وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " اثْنَتَانِ يُعَجِّلُهُمَا اللهُ فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ".(7)

رابعًا : من أسباب دخول النار –أعاذنا الله منها –وأبعده الله وأسحقه :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ"، قِيلَ: مَنْ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ" . (8)

وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ , أَوْ أَحَدَهُمَا , ثُمَّ لَمْ يَبَرَّهُمَا , فَدَخَلَ النَّارَ , فأَبْعَدَهُ اللهُ وَأَسْحَقَهُ".(9)

وعنه رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «آمِينَ آمِينَ آمِينَ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ».(10)

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «لَا أُقْسِمُ، لَا أُقْسِمُ، لَا أُقْسِمُ» ، ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالَ: «أَبْشِرُوا أَبْشِرُوا، إِنَّهُ مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَاَجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ» ، قَالَ الْمُطَّلِبُ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو: أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهُنَّ؟، قَالَ: نَعَمْ: «عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالشِّرْكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَأَكْلُ الرِّبَا».(11)

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ بِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ - الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ - وَالدَّيُّوثُ ".(12)

وفي رواية النسائي وابن حبان : " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ ".

وعَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ ".(13)

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ».(14)

وفي رواية : " إِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ "، قَالَ: قِيلَ : وَمَا عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ؟ قَالَ: " يَسُبُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ " .(15)

خامسًا : استجابة دعوة الوالد على ولده العاق :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ".(16)

وذكر ابن قدامة – رحمه الله- في " كتاب التوابين " عن الحسن بن على –رضي الله عنه - : بَيْنَا أَنَا أَطُوفُ مَعَ أَبِي حَوْلَ الْبَيْتِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ وَقَدْ رَقَدَتِ الْعُيُونُ وَهَدَأَتِ الأَصْوَاتُ إِذْ سَمِعَ أَبِي هَاتِفًا يَهْتِفُ بِصَوْتٍ حَزِينٍ شَجِيٍّ وَهُوَ يَقُولُ:

يَا مَنْ يُجِيبُ دُعَا الْمُضْطَرِّ فِي الظُّلَمِ ... يَا كَاشِفَ الضُّرَّ وَالْبَلْوَى مَعَ السَّقَمِ

قَدْ نَامَ وَفْدُكَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَانْتَبَهُوا ... وَأَنْتَ عَيْنُكَ يَا قَيُّومُ لَمْ تَنَمِ

هَبْ لِي بِجُودِكَ فَضْلَ الْعَفْوِ عَنْ جُرْمِي ... يَا مَنْ إِلَيْهِ أَشَارَ الْخَلْقُ فِي الْحَرَمِ

إِنْ كَانَ عَفْوُكَ لا يدركه ذو سرف ... فمن يَجُودُ عَلَى الْعَاصِينَ بِالْكَرَمِ

قَالَ: فَقَالَ أَبِي: يَا بُنَيَّ! أَمَا تَسْمَعُ صَوْتَ النَّادِبِ لِذَنْبِهِ الْمُسْتَقِيلِ لِرَبِّهِ؟ الْحَقْهُ فَلَعَلَّ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ.

فَخَرَجْتُ أَسْعَى حَوْلَ الْبَيْتِ أَطْلُبُهُ فَلَمْ أَجِدْهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَقَامِ وَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَقُلْتُ: أَجِبِ ابْنَ عَمِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْجَزَ فِي صَلاتِهِ وَاتَّبَعَنِي.

فَأَتَيْتُ أَبِي فَقُلْتُ: هَذَا الرَّجُلُ يَا أَبَتِ.

فَقَالَ لَهُ أَبِي: مِمَّنِ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مِنَ الْعَرَبِ قَالَ: وَمَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُنَازِلُ بْنُ لاحِقٍ.

قَالَ: وَمَا شَأْنُكَ وَمَا قِصَّتُكَ؟ قَالَ: وَمَا قِصَّةُ مَنْ أَسْلَمَتْهُ ذُنُوبُهُ وَأَوْبَقَتْهُ عُيُوبُهُ فَهُوَ مُرْتَطِمٌ فِي بَحْرِ الْخَطَايَا.

فَقَالَ لَهُ أَبِي: عَلَيَّ ذَلِكَ فَاشْرَحْ لِي خَبَرَكَ.

قَالَ: كُنْتُ شَابًّا عَلَى اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ لا أُفِيقُ عَنْهُ وَكَانَ لِي وَالِدٌ يَعِظُنِي كَثِيرًا وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ! احْذَرْ هَفَوَاتِ الشَّبَابِ وَعَثَرَاتِهِ فَإِنَّ لِلَّهِ سَطَوَاتٍ وَنَقَمَاتٍ مَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ وَكَانَ إِذَا أَلَحَّ عَلَيَّ بِالْمَوْعِظَةِ أَلْحَحْتُ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ مِنَ الأَيَّامِ أَلَحَّ عَلَيَّ بِالْمَوْعِظَةِ فَأَوْجَعْتُهُ ضَرْبًا فَحَلَفَ بِاللَّهِ مُجْتَهِدًا لَيَأْتِيَنَّ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامِ فَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَيَدْعُو عَلَيَّ فَخَرَجَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

يَا مَنْ إِلَيْهِ أَتَى الْحُجَّاجُ قَدْ قَطَعُوا ... عُرْضَ الْمَهَامِهِ مِنْ قُرْبٍ وَمِنْ بُعْدِ

إِنِّي أَتَيْتُكَ يَا مَنْ لا يُخَيِّبُ مَنْ ... يَدْعُوهُ مُبْتَهِلا بِالْوَاحِدِ الصَّمَدِ

هَذَا مُنَازِلٌ لا يَرْتَدُّ عَنْ عُقَقِي ... فَخُذْ بِحَقِّي يَا رَحْمَانُ مِنْ وَلَدِي

وشِلَّ مِنْهُ بِحَوْلٍ مِنْكَ جَانِبَهُ ... يَا مَنْ تَقَدَّسَ لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَلِدِ

قَالَ: فَوَ اللَّهِ مَا اسْتَتَمَّ كَلامَهُ حَتَّى نَزَلَ بِي مَا تَرَى ثُمَّ كَشَفَ عَنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ فَإِذَا هُوَ يَابِسٌ.

قَالَ: فَأُبْتُ وَرَجَعْتُ وَلَمْ أَزَلْ أَتَرَضَّاهُ وَأَخْضَعُ لَهُ وَأَسْأَلُهُ الْعَفْوَ عَنِّي إِلَى أَنْ أَجَابَنِي أَنْ يَدْعُوَ لِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي دَعَا عَلَيَّ.

قَالَ: فَحَمَلْتُهُ عَلَى نَاقَةٍ عُشَرَاءَ وَخَرَجْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ حَتَّى إِذَا صِرْنَا بِوَادِي الأَرَاكِ طَارَ طَائِرٌ مِنْ شَجَرَةٍ فَنَفَرَتِ النَّاقَةُ فَرَمَتْ بِهِ بَيْنَ أَحْجَارٍ فَرَضَخَتْ رأسه فمات فدفتنه هُنَاكَ وَأَقْبَلْتُ آيِسًا وَأَعْظَمُ مَا بِي مَا أَلْقَاهُ مِنَ التَّعْيِيرِ أَنِّي لا أُعْرَفُ إِلا بِالْمَأْخُوذِ بِعُقُوقِ وَالِدَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ أَبِي: أَبْشِرْ فَقَدْ أَتَاكَ الْغَوْثُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَمَرَهُ فَكَشَفَ عَنْ شِقِّهِ بِيَدِهِ وَدَعَا لَهُ مَرَّاتٍ يُرَدِّدُهُنَّ فَعَادَ صَحِيحًا كَمَا كَانَ.

وَقَالَ لَهُ أَبِي: لَوْلا أَنَّهُ قَدْ كَانَ سَبَقْتَ إِلَيْكَ مِنْ أَبِيكَ فِي الدُّعَاءِ لَكَ بِحَيْثُ دَعَا عَلَيْكَ لَمَا دَعَوْتُ لَكَ.

قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ أَبِي يَقُولُ لَنَا: احْذَرُوا دُعَاءَ الْوَالِدَيْنِ! فَإِنَّ فِي دُعَائِهِمَا النَّمَاءُ وَالانْجِبَارُ وَالاسْتِئْصَالُ وَالْبَوَارُ.(17)

النهي عن الدعاء على الأبناء :

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ».(18)

ولفظه عند مسلم وابن حبان بعد ذكر القصة :" لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ"

النهي عن طاعة الوالدين أو غيرهما في معصية الله :

عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ، وَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ: مَكَثَتْ ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} وَفِيهَا {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].(19)

وهذا آخر ما وفقني الله تبارك وتعالى لجمعه من موضوع بر الوالدين.

و"سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".

تم بحمد الله وتوفيقه

جمع وترتيب

صلاح عامر –مصر.

------------------------------

1-البخاري(2654)،ومسلم (87)،وأحمد(20385)،والترمذي(1901).

2-البخاري(5977)،ومسلم 144 - (88)،وأحمد(12371)،والترمذي

(1207)،والنسائي(4010).

3-البخاري (6675،6920).

4-حسن : رواه أحمد في" المسند"(1875،2914)،وابن حبان(4417).

5-مسلم44 - (1978).

6-صحيح : رواه الحاكم في"المستدرك"(7350), وانظر "صَحِيح الْجَامِع" (2810).

7-رواه البخاري في"التاريخ"(494), و" كنز العمال" (45458), وانظر "صَحِيح الْجَامِع" (137).

8-مسلم9 - (2551)،وأحمد(8557).

9- صحيح : رواه أحمد(20328)وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط

10-حسن صحيح : رواه ابن حبان(907)وقال الألباني : حسن صحيح.

11-رواه الطبراني في " الكبير" (13/8-9/3)وحسن إسناده الألباني في" الصحيحة"(3451).

12-رواه أحمد في " المسند"(6180)،والنسائي(2562)،وابن حبان

(7340)،وانظر" السلسلة الصحيحة"( 674).

13-البخاري(2408)،ومسلم 12 - (593)،وأحمد(18147)،وابن حبان(5555).

14-البخاري(5973)،ومسلم146 - (90)،وأحمد(6529)،وأبو داود

(5141)،والترمذي(1902).

15-صحيح : رواه أحمد(7004)وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.

16-حسن : رواه أحمد(2699)وقال شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره ،وأبو داود

(1536)،والترمذي(1905، 3448)،وابن حبان(3862)وحسنه شعيب الأرنؤوط والألباني .

17-"التوابين"لابن قدامة(1/237).

18-رواه مسلم(3009) ،وأبوداود(1532)واللفظ له ،وابن حبان(5742) بلفظ مسلم

19- مسلم 43 - (1748)،وأحمد(1567)،والترمذي(1567)،وابن حبان

===

قصة علقمة مع أمه ( عقوق الوالدين ) لا تثبت !

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل

الحمد للهِ والصلاةُ والسلام على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ...

تنتشر في المنتديات الحوارية والقوائم البريدية قصصٌ منسوبةٌ إلى النبي صلى اللهُ عليه وسلم أو إلى غيره من الصحابة والتابعين ، وبعد عرضها على ميزان النقد الحديثي تكون هباء منثورا ، ومن تلك القصص المشهور - والشهرة لا تعني الصحة - قصة علقمة مع أمه ، والتي يستدل بها على عقوبة عقوق الوالدين ، فما مدى صحة القصة ؟!

سألخص بتصرف تخريج القصة من كتاب " قصص لا تثبت : الجزء الثالث " ( ص 19 - 39 ) في نقاط :

أولاً : القصة بهذا السياق وبهذا التفصيل شائعة عند كثير من الناس ، ويتدالونها فيما بينهم عند حديثهم عن " عقوق الوالدين " تارةٍ ، أو عند " حسن الخاتمة " تارة أخرى ، وهي بالسياق المذكور لا أصل لها في دواوين السنة ، وإنما لها ذكر ووجود باختصار ، ولكن لا يفرح الحريص على دينه بهذه الأسانيد .

ثانيًا : من الكتب التي ذكرت القصة بالسياق الذي ذكرته في مقالك كتاب " الكبائر " للذهبي في طبعة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة – رحمه الله - ، ولكن بعد التحقيق في النسخة المخطوطة ليس لها وجود فيها ، ومثل هذه الكذبة لا تنطلي على عالم مثل الإمام الذهبي – رحمه الله - ، ووردت القصة في كتاب " تنبيه الغافلين " للسمرقندي الذي قال عنه الإمام الذهبي في " السير " (16/323) عند ترجمة مؤلفه : " وتروج عليه الأحاديث الموضوعة " ، وقال في " تاريخ الإسلام " في ترجمته ( حوادث 351 – 380 هـ ، ص 583 ) : " وفي كتاب " تنبيه الغافلين موضوعات كثيرة " ، وقال أبو الفضل الغماري في " الحاوي " (3/4) : " وكتاب " تنبيه الغافلين " يشتمل على أحاديث ضعيفة وموضوعة ، فلا ينبغي قراءته للعامة ، لا يعرفون صحيحه من موضوعه " .

ثالثاً : أخرج عبد الله ابن الإمام أحمد في " المسند " (4/382) : " ‏وَكَانَ فِي كِتَابِ أَبِي ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ‏، ‏أَخْبَرَنَا ‏‏فَائِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ‏قَالَ سَمِعْتُ ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى ‏‏قَالَ :‏ " ‏جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏فَقَالَ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَاهُنَا غُلَامًا قَدْ ‏ ‏احْتُضِرَ ،‏ ‏يُقَالُ لَهُ : " قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ؛ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَهَا . فَقَالَ : " أَلَيْسَ كَانَ يَقُولُها فِي حَيَاتِهِ ؟ " ، قَالَ : " بَلَى " ، قَالَ : " فَمَا مَنَعَهُ مِنْهَا عِنْدَ مَوْتِهِ ؟ " ( فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ ‏) ، ‏فَلَمْ يُحَدِّثْنَا أَبِي بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ‏، ‏ضَرَبَ ‏‏عَلَيْهِمَا مِنْ كِتَابِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ حَدِيثَ‏ ‏فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ،‏ ‏أوَ كَانَ‏ عِنْدَهُ مَتْرُوكَ الْحَدِيثِ " .

رابعًا : أخرجها البيهقي في " شعب الإيمان " (6/197 – 198 / رقم 7892) ، و " دلائل النبوة " (6/205 – 206) ، والقزويني في " التدوين في تاريخ قزوين " (2/369 – 370) ، وأخرجها العقيلي في " الضعفاء الكبير " (3/461) ، ومن طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات " (3/87) ، والخرائطي في " مساوىء الأخلاق ومذمومها " ( رقم 251 ) .

خامسًا : مدار القصة على أبي الورقاء فائد بن عبد الرحمن العطار ، وقد صرح بذلك البيهقي في " الشعب " (6/198) فقال : " تفرد فائد أبو الورقاء ، وليس بالقوي ، والله أعلم . وفائد هذا متروك الحديث ، وهو متهم فلا يفرح بروايته ، ولا سيما عن ابن أبي أوفى كما في هذه القصة .

سادسا : ضعف القصة غير واحد من الحفاظ والعلماء ، منهم :

1 - الإمام أحمد كما جاء عن ابنه عبد الله في النقطة الثالثة .

2 – العقيلي في " الضعفاء الكبير " (3/461) وقال عقبه : " ولا يتابعه إلا من هو نحوه " .

3 – البيهقي في " الشعب " (6/198) فقال : " تفرد فائد أبو الورقاء ، وليس بالقوي ، والله أعلم " .

4 – ابن الجوزي في " الموضوعات " (3/87) فقال : " هذا لا يصح عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وفي طريقه فائد ، قال أحمد بن حنبل : " فائد متروك الحديث " ، وقال يحيى : " ليس بشيء " ، وقال بن حبان : " لا يجوز الاحتجاج به " ، وقال العقيلي : " ولا يتابعه إلا من هو مثله " ، وفي الإسناد داود بن إبراهيم ، قال أبو حاتم الرازي : " كان يكذب " .

5 – المنذري في " الترغيب والترهيب " (3/222) وصدرها بقوله : " وروي " بصيغة التمريض .

6 – الذهبي في " ترتيب الموضوعات " ( رقم 874 ) .

7 – الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8/148) قال بعد عزوها لأحمد والطبراني : " وفيها فائد أبو الورقاء ، وهو متروك " .

8 - ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2/296 – 297 رقم 51) .

9 – الشوكاني في " الفوائد المجموعة " (231) وقال : " وفي إسنادها متروك وكذاب ، ولها طرق أخرى " ، وعلق عليه المحقق – وهو الشيخ عبد الرحمن المعلمي – بقوله : " مدارها على المتروك ، وهو فائد بن عبد الرحمن أبو الورقاء العطار " .

سابعًا : لم يرد في أي رواية من الروايات – وهي المسندة لهذه القصة ، على الرغم من ضعفها - تسمية الشاب بعلقمة ، ولم يرد أنه كان يفضل زوجته على أمه ، ولم ترد التفصيلات الدارجة على ألسنة العوام في أي مصدر من مصادر السنة المسندة .

ثامنًا : الخلاصة : هذه القصة لم تثبت ، ولا يوجد لها إسناد صحيح ، فلا تحل روايتها ، ولا إذاعتها في مجلس أو خطبة ، أو تدوينها في كتاب أو سفر أو رسالة ، ومن يفعل ذلك فإنه يعمل على نشر الأحاديث والقصص الواهية ، وفي صحيح السنة وآي الكتاب في بابتها ما يغني .ا.هـ. كلام مخرج القصة بتصرف .

المصدر : ملخصا من قصص لا تثبت - الجزء الثالث 21 - 30 ، تأليف أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان

======

وجوب بر الوالدين والتحذير من عقوقهما

د. خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وبعد:

فيقول الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) [سورة الإسراء: 23، 24].

الوالدان، وما أدراك ما الوالدان...

الوالدان: اللذان هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان... الوالد بالإنفاق، والوالدة بالولادة والإشفاق.

فللّه سبحانه نعمة الخلق والإيجاد، وجعل للوالدين نعمة التربية والإيلاد.

يقول حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات مقرونات بثلاث، ولا تقبل واحدة بغير قرينتها:

1/ (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [سورة التغابن: 12]، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يُقبل منه.

2/ (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) [سورة البقرة: 43]، فمن صلَّى ولم يُزكِّ لم يُقبل منه.

3/ (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) [سورة لقمان: 14]، فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يُقبل منه.

من معالم الرعاية للوالدين في القرآن الكريم:

ولأجل ذلك تكررت الوصايا في كتاب الله تعالى والإلزام ببرهما والإحسان إليهما، والتحذير من عقوقهما أو الإساءة إليهما، بأي أسلوب كان، ومن الوصايا:

ـ قول الله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [النساء: 36].

ـ وقوله سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً) [العنكبوت: 8].

ـ وقوله جلَّ وعلا: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14].

فوضَّحت هذه الآيات ما للوالدين من جميل عظيم، وفضل كبير على أولادهما، خاصة الأم، التي قاست الصِّعاب والمكاره بسبب المشقة والتعب، من وحامٍ وغثيان وثقل وكرب، إلى غير ذلك مما ينال الحوامل من التعب والمشقة.

وأما الوضع: فذلك إشراف على الموت، لا يعلم شدته إلا من قاساه من الأمهات.

من معالم الرعاية للوالدين في السنة النبوية:

وفي سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء التأكيد على وجوب بِرّ الوالدين والترغيب فيه، والترهيب من عقوقهما.

ومن ذلك: ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رِضَا الرَّبِّ في رِضَا الوالدين، وسخطُه في سخطهما" رواه الطبراني في الكبير، وصححه العلامة الألباني.

وروى أهل السنن إلا الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئتُ أبايعك على الهجرة، وتركتُ أبويَّ يبكيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اِرجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما ".

وروى الإمام أحمد في المسند وابن ماجة - واللفظ له - عن معاوية بن جاهمة السُّلَمي أنه استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد معه، فأمره أن يرجع ويَبَرَ أُمَّه، ولما كرر عليه، قال صلى الله عليه وسلم: "ويحك .. الزم رِجلها .. فثمَّ الجَنَّة".

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمّـك"، قال: ثم من؟ قال: "أمّك"، قال: ثم من؟ قال "أمّـك"، قال ثم من؟ قال: "أبوك".

وهذا الحديث مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وجاءت الإشارة إلى هذا في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) [لقمان:14].

وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ثلاثةٌ لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترَجِّلة المتشبهة بالرجال، والدَّيوث. وثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: العَاقُّ لوالديه، والمدمن الخمر، والمنّان بما أعطى " رواه النسائي وأحمد والحاكم.

وروى الإمام أحمد بسند حسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال: " لا تشرك بالله شيئاً، وإن قتلت وحُرِّقت، ولا تَعُقَّنَّ والِدَيك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك.." إلى آخر الحديث.

رقة قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم نحو أمه:

وكما أن بِرَّ الوالدين هو هديُ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو كذلك هدي الأنبياء قبله قولاً وفعلاً، وقد سبق بيانُ هدي نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك من قولِه، أما من فعله صلى الله عليه وسلم: فإنه لما مَرَّ على قبر والدته آمنة بنت وهب بالأبواء حيث دُفِنت - وهو مكان بين مكة والمدينة - ومعه أصحابه وجيشه وعددهم ألف فارس، وذلك عام الحديبية، فتوقف وذهب يزور قبر أمه، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي - وأبكى من حوله، وقال: "استأذنتُ ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذِنَ لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة " رواه البغوي في شرح السنة، وأصله في صحيح مسلم.

من هدي الأنبياء عليهم السلام نحو آبائهم وأمهاتهم:

وهذا إبراهيم خليل الرحمن أبو الأنبياء وإمام الحنفاء عليه السلام يخاطب أباه بالرفق واللطف واللين - مع أنه كان كافراً – (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً) [مريم:42] وهو يدعوه لعبادة الله وحده، وترك الشرك، ولما أعرض أبوه وهدد إبراهيم بالضرب والطرد، لم يزد على قوله: (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) [مريم: 47].

وأثنى الله على يحيى بن زكريا عليهما السلام فقال تعالى: (وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً) [مريم: 14].

ومن دعاء نوح عليه السلام : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَاراً) [نوح:28].

إلى غير ذلك من أقوال النبيين عليهم السلام التي سجَّلها كتاب الله تعالى.

من هدي السلف نحو والديهم:

وهكذا كان السلف الصالح من هذه الأمة أحرص الناس على البر بوالديهم.

ومن ذلك: أن أبا هريرة رضي الله عنه كان إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً.

أما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقد طلبت والدته في إحدى الليالي ماء، فذهب ليجيء بالماء، فلما جاء وجدها نائمة، فوقف بالماء عند رأسها حتى الصباح، فلم يوقظها خشية إزعاجها، ولم يذهب خشية أن تستيقظ فتطلب الماء فلا تجده.

وها هو ابنُ الحسن التميمي رحمه الله يهمُّ بقتل عقرب، فلم يدركها حتى دخلت في جحر في المنزل، فأدخل يده خلفها وسد الجحر بأصابعه، فلدغته، فقيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: خفت أن تخرج فتجيء إلى أمي فتلدغها.

أما ابن عون المزني فقد نادته أمه يوماً فأجابها وقد علا صوتُه صوتَها ليسمعها، فندم على ذلك وأعتق رقبتين.

ولبر السلف صور عديدة، ومواقف كثيرة يطول ذكرها، والمقصود الإشارة إلى نماذج من برهم.

صور من عقوق الوالدين:

ولو نظرنا في أحوالنا لوجدنا التقصير الشديد في بر آبائنا وأمهاتنا، ولربما وقع من البعض العقوق، نسأل الله العفو والسلامة.

وعقوق الوالدين له صور عديدة ومظاهر كثيرة قد تخفى على بعض الناس، ومن ذلك:

أن يترفَّع الابن عن والديه ويتكبر عليهما لسبب من الأسباب، كأن يكثر ماله، أو يرتفع مستواه التعليمي أو الاجتماعي ونحو ذلك.

ومن العقوق: أن يدعهما من غير معيلٍ لهما، فيدعهما يتكففان الناس ويسألانهم.

ومن العقوق: أن يقدم غيرهما عليهما، كأن يقدم صديقه أو زوجته أو حتى نفسه.

ومن العقوق: أن يناديهما باسمهما مجرداً إذا أشعر ذلك بالتنقص لهما وعدم احترامهما وتوقيرهما. وغير ذلك.

قد يتجاهل بعض الناس فضل والديه عليه، ويتشاغل عما يجب عليه نحوهما، ألا يعلم ذلك العاق أو تلك العاقة أن إحسان الوالدين عظيم وفضلهما سابق، ولا يتنكر له إلا جحود ظلوم غاشم، قد غُلقت في وجهه أبواب التوفيق، ولو حاز الدنيا بحذافيرها ؟!..

فالأم التي حملت وليدها في أحشائها تسعة أشهر، مشقة من بعد مشقة... لا يزيدها نموه إلا ثقلاً وضعفاً، ووضعته كرهاً وقد أشرفت على الموت، فإذا بها تعلّق آمالها على هذا الطفل الوليد، رأت فيه بهجة الحياة وزينتها، وزادها بالدنيا حرصاً وتعلقاً، ثم شغلت بخدمته ليلها ونهارها، تغذيه بصحتها، وتريحه بتعبها، طعامُه دَرُّها، وبيته حِجرها، ومركبه يداها وصدرها، تحوطه وترعاه، تجوع ليشبع، وتسهر لينام، فهي به رحيمة، وعليه شفيقة، إذا غابت دعاها، وإذا أعرضت عنه ناجاها، وإن أصابه مكروه استغاث بها، يحسب أن كل الخير عندها، وأن الشر لا يصل إليه إذا ضمّته إلى صدرها أو لحظَتْه بعينها.

أفبعد هذا يكون جزاؤها العقوق والإعراض؟!

اللهم عفواً ورُحماً.

أما الأب... فالابنُ له مَجْبَنَةٌ مَبْخَلَة... يَكَدُّ ويسعى، ويدفع صنوف الأذى بحثاً عن لقمة العيش لينفق عليه ويربيه، إذا دخل عليه هش، وإذا اقبل إليه بش، وإذا حضر تعلق به، وإذا أقبل عليه احتضن حجره وصدره، يخوف كل الناس بأبيه، ويعدهم بفعل أبيه.

أفبعد هذا يكون جزاء الأب التنكر والصدود ؟ نعوذ بالله من الخذلان.

إن الإحباط كل الإحباط أن يُفاجأ الوالدان بالتنكر للجميل، وقد كانا يتطلعان للإحسان، ويؤملان الصلة بالمعروف، فإذا بهذا الولد - ذكراً أو أنثى - يتخاذل ويتناسى ضعفه وطفولته، ويعجب بشأنه وفتوته، ويغره تعليمه وثقافته، ويترفع بجاهه ومرتبته، يؤذيهما بالتأفف والتبرم، ويجاهرهما بالسوء وفحش القول، يقهرهما وينهرهما، يريدان حياته ويريد موتهما، كأني بهما وقد تمنيا أن لو كانا عقيمين، تئن لحالهما الفضيلة، وتبكي من أجلهما المروءة.

فليحذر كل عاقل من التقصير في حق والديه، فإن عاقبة ذلك وخيمة، ولينشط في برهما فإنهما عن قريب راحلين وحينئذ يعض أصابع الندم، ولات ساعة مندم. أجل، إن بر الوالدين من شيم النفوس الكريمة والخلال الجميلة، ولو لم تأمر به الشريعة لكان مِدْحَةً بين الناس لجليل قدره، كيف وهو علاوة على ذلك تُكفَّـر به السيئات، وتجاب الدعوات عند رب البريات، وبه تنشرح الصدور وتطيب الحياة ويبقى الذكر الحسن بعد الممات.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغاراً، واجزهم عنا خير ما جزيت به عبادك الصالحين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

khalidshaya@hotmail.com

** ** **

فضائل ومآثر وقصص ومهارات وأساليب

جوال بر الوالدين

للاشتراك أرسل 1 إلى 5552

======

قبس من نور النبوة

العقوق جريمة كبرى

الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة

أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد،

مستمعى الكرام .. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .. وأهلاً بكم ومرحباً فى برنامجكم (قبس من نور النبوة) حلقةُ اليوم عن أمرٍ يُبغضه الشرعُ الحنيف، ونحن لا نتحدث عنه لأنا نحبُّه، معاذ الله، ولكن من باب :

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقِّيهِ *** ومن لا يعرفُ الخَير من الشر يقع فيه

إنه (عقوق الوالدين) الذى كثر وانتشر، وتعددت أشكالهُ وألوانه عافانا الله وإياكم من العقوق وشره ..

وقد وردت الأحاديث الكثيرة فى النهى عن العقوق كما فى قوله صلى الله عليه وسلم الذى رواه البخارى عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا قلنا: بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، و كان متكئاً فجلس فقال : ألا وقولُ الوزر، وشهادةُ الوزر، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت) وكما فى قوله صلى الله عليه وسلم (الكبائر : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس) رواه البخارى ومسلم من حديث أبى بكرة نفيع بن الحارث رضى الله عنه.

وقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات، ووأد البنات وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة رضى الله عنه.

وخرج البخارى ومسلم فى الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله قال : "من الكبائر شتمُ الرجلِ والديه" قالوا: يا رسول الله، وهل يشتمُ الرجلُ والديه؟ قال : "نعم ، يسبُّ أبا الرجل فيسُبُّ أباه، ويسبُّ أمَّه فيسُبُّ أمَّه".

أيها المستمع الكريم .. إن الذنوب لتتفاوتُ بحسب مفاسدها، وإن عقوق الوالدين من أعظم هذه الذنوب، إنه نكران للجميل، ونسيان لحق الوالدين، واحتقارٌ لأصالة الإنسان.

لقد أمر الله عز وجل فى كتابه سبحانه بتوحيده وعدم الإشراك به، وقرن هذا الأمر بالإحسان إلى الوالدين (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) [النساء 36] (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) [الإسراء 23] لقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين لا سيما عند الكبر، وذكّر الابن بأنهما أحسنا إليه وربياه صغيرا، فالصغرُ ضعف، وبحاجة إلى رعاية وتعهد، وقد قام الوالدان بهذا الواجب خير قيام.

والكبر ضعف، وبحاجة إلى عناية ورعاية فليقم الابنُ إذاً بالمطلوب وليحسن إلى والديه، ولا يتأفف عندهما ولا ينهرهما وإنما يقول لهما القول الكريم الطيب.

وفى هذه الأحاديث تحريمٌ للعقوق وتشديد على التنفير منه، وبيانُ حرمة سب الآباء والأمهات، أو تعريضهما للسب والإهانة، وأن الطبع السليم المستقيم يأبى أن يسب الرجلُ والديه أو أن يتسبب فى سبهما، وهى دعوة لترك السباب والشتائم خشية أن يعود السب على والدى الشاتم.

أفلا يستدعى كل هذا أن يكون المرء بارًا بأبويه، منتهياً عن عقوقهما.

إذاً فلنستمع إلى بيانٍ شافٍ يذكّرنا بحق الأبوين علينا، لا سيما الأم لعل الذين غلبت عليهم شقوتهم أن يرجعوا إلى رشدهم، ويحسنوا معاملة آبائهم وأمهاتهم، فالأم هى التى "أرضعتك من ثديها لبنا، وأطارت من أجلك وَسَنا، وغسلت بيمينها عنك الأذى، وآثرتك على نفسها بالغذا، وصيرت حَجرها لك مهدا، وأنالتك إحسانا ورفدا، فإن أصابك مرض أو شكاية، أظهرت من الأسف حتى النهاية، وأطالت الحزن والنحيب، وبذلت أموالها للطبيب، ولو خيرت بين حياتك وموتها لاختارت حياتك بأعلى صوتها، هذا وكم عاملتها بسوء الخلق مرارا، فدعت لك بالتوفيق سرًا وجهارا، فلما احتاجت عند الكبر إليك، جعلتها من أهون الأشياء عليك، وشبعت وهى جائعة، ورويت وهى ضائعة، وقدّمت زوجتك عليها بالإحسان وقابلت أياديها بالنسيان، وصعب عليك أمرها وهو يسير، وطال عليك عمرها وهو قصير، وهجرتها ومالها سواك نصير، يا هذا نهاك الله عن التأفيف، وعاتبك فى حقها بعتاب لطيف،

ستعاقب فى دنياك بعقوق البنين، وفى أخراك بالبعد عن رب العالمين، وتُنادى بلسان التوبيخ والتهديد، ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد.

ولا أريد أن أوذى أسماعكم أحبتى فى الله بصور من العقوق، غير أن أقسى صورة من صوره وأشدها إيلامًا صورة هذا العاق الذى يقتل أمه لحفنة من المال، والأكثر إيلاما هو توجع القلب المحزون قلب الأم الذى قتله ولدها . . استمع معى إلىهذه القصة الرمزية:

أغرى امرؤ يومًا غلامًا جاهلاً بنقوده كـى ما ينـال بـه الوطـر

قال ائتنى بفؤاد أمك يا فتى ولك الجواهـر والـدراهـم والـدرر

فمضى وأغرز خنجرًا فى صدرها والقلب أخرجه وعاد على الأثر

لكنه من فرط سرعته هوى فتدحرج القلـب الـمقطـع إذ عثـر

ناداه قلب الأم وهو معفرولدى حبيبى هل أصابـك مـن ضـرر؟

فكأن هذا الصوت رغم حنوه غضب السماء عـلى الغلام قد انهمر

فدرى فظيع جناية لم يجنها ولـد سـواه منـذ تـاريـخ الـبشر

فارتد نحو القلب يغسلـه بمـا فـاضـت به عيناه من سيل العبر

ويقـول: يا قلـب انـتـقـم منـى ولا تغفر فإن جريمتى لا تغتفر

فـاستـل خنجـره ليطعـن قلبـه طعنـا فيبقى عبرة لمن اعتبر

ناداه قلب الأم كف يداً ولا تطعـن فؤادى مـرتين علـى الأثـر.

... هذا هو قلب الأم .. وهذا هو حالُها معك .. ألا تتقى الله فيها .. وتحسنُ إليها .. وتدعو لأبويك معا (رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا) [الإسراء 24] جعلنا الله وإياكم من أهل البر والإحسان إلى الآباء والأمهات، وجنبنا وإياكم داء العقوق.

هذا وبالله التوفيق .. وإلى لقاء فى حلقة قادمة

وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

===

أيّها المقصّر عند والديه ,, إلى متى ؟

حسين بن سعيد الحسنية

@hos3030

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ,, وبعد .

فإن المؤمن يعتقد اعتقادا جازماً بحق الوالدين، وبوجوب برهما، وطاعتهما، والإحسان إليهما، لا لكونهما سببَ وجوده فحسب، أو لكونهما أسديا معروفاً أو جميلاً مما يجب المكافأة عليه بالمثل، ولكن لكون الله أوجب تلك الطاعة، وفرض ذلك البر، بل قرن I عبادته بطاعتهما وبِرِّهما, قال تعالى: " وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " الإسراء: 23 , فالدلالة على فضلهما ظاهرة، والإشارة إلى بِرِّهما واضحة، ولا ينكرها إلا جاحد عاق.

وما أعظمَ فضل الله، وما أوسعَ رحمته، فقد أعدّ لكل من الوالدين باباً من الجنة، يتفتح بالخير على الولد كلما خرج يسعى لهما، وتتساقط عليه رحمة الله I ما دام حريصاً على إرضائهما، فإنْ أغضبهما، أو أغضب أحدَهما، غضب الله عليه، فأغلق دونه باب الخير وإن كان الولد محقاً؛ ليتعلم الأبناء أن ليس لهم من الحق شيء تجاه آبائهم.

والأمر بالإحسان إلى الوالدين عام مطلق، لا يخصّص، ولا يحدّد، ولا يُقبل أو يُرفض بشروط، ولا يُطرح لمناقشة أو جدال؛ ليتنبه أكثر الأبناء أو الذين يعتقدون أن برهما فقط فيما يوافق رغباتِهم أو ميولَهم.

ثم دعني أسألك – يا رعاك الله-:

أليست أمك مَن حملتك في بطنها تسعة أشهر، وحملت مع حملك آهات الألم، ودمعات الفرح، منتظرةً قدومك، ومتحفزةً لمجيئك؟.

أليست هي التي تجرعت عند وضعك زفرات الموت، وأحست بفراق حياتها بمجيء حياتك؟.

أليست هي التي أصبحت أنت أكبرَ همِّها، وأكثر شغلِها، بعد أن رأت عيناك النور، بل أصبحت تخشى عليك حتى من سفيف الريح؟.

أليست هي التي أرضعتك من صدرها، واحتضنتك في حجرها، وتحملت قذارتَك لكي تكون نظيفاً، وتلقفت كل ما كرِهَتْ لتجد أنت ما تحبه؟.

أليست هي التي لم يهدأ لها بال، ولم تقف لها دمعة، عند غيابك وبعدك عنها؟.

أليست هي التي لا زالت تعتبرك الطفل الصغير البريء، مهما بلغ عمرك، أو تنوّر فكرك، أو أصبح لك زوجة وأولاداً؟.

ثم ماذا يعني لك الأب؟. برضاه عنك، وتضحيته لأجلك، وعمله الدؤوب لأجل إمتاعك وإرضائك.

هل تشعر بدوره تجاهك؟ هل فكرت يوماً لماذا حَمَلَك من لهيب الأرض؟ وأسقاك من زلال الماء؟ وأعطاك من طيب الزاد؟.

هل تعي مدى حزنه عندما تحزن؟ وغاية سعادته عندما تسعد؟ وهل شَعَرْتَ – ولو لمرة واحدة – بتلك اللمسة الحانية من يده المشفقة، وهي تسير على شعر رأسك؟.

وهل تدرك تلك التكاليف الباهظة، والأثمان الغالية، والتي أجهدت كاهليه؛ لتلبس أجمل الملابس، وتأكل ألذ الأكل، وتعيش أفضل حياة.

وإن المقصّر في حق والديه وهو يقرأ الأسئلة السابقة ويتأملها جيداً ليسأل نفسه فعلاً إلى متى أعامل والدي بجفاء وقطيعة أو بعناد وعقوق وهما من هما في الفضل والمكانة , وقد أوصى الله ورسول الله ﷺ ببرهما وطاعتهما والإحسان إليهما

لقد اعتنت الشريعة الإسلامية بحق الوالدين، وأكّدت في مواضع كثيرة على وجوب طاعتهما وبِرِّهما، فبالإضافة إلى مقارنة عبادة الله تعالى برضى الوالدين، فقد حذرنا من الرد عليهما بالرفض، أو رفع الصوت بحضورهما، بل حتى من التأفف منهما، وهو أقل ما يقال أو يعبر به عن الغضب من الآخر. قال تعالى: " فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا " الإسراء: 23 , قال الحسين بن علي رضي الله عنهما: – مرفوعاً- : " لو كان هناك شيئاً من العقوق أدنى من (أفٍّ) لحرمه الله ", وقال ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله تعالى: " فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا " الإسراء: 23 هي كلمة كراهة, وقال مقاتل عنها: "الكلام الرديء الغليظ".

وانظر – رحمك الله- كيف قرن شكرهما بشكره عزوجل في موضع آخر قال تعالى: " أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ " لقمان: 14, وفي ذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما : "ثلاث آيات نزلت مقرونةً بثلاث، لا تُقبل منها واحدةٌ دون قرينتِها: إحداها: " أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ " النساء: 59, فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه, الثانية: " وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ" البقرة: 43, فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه, الثالثة: " أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير" لقمان: 14, فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه, ولهذا قال النبي ﷺ: " رِضى الله من رضى الوالدين، وسَخَطُ الله من سخط الوالدين » رواه الترمذي.

وانظر مرة أخرى – يا رعاك الله- إلى أفضلية طاعتهما وبرهما على الجهاد في سبيل الله، وذلك حينما جاء رجل إلى الرسول ﷺ يستأذنه في الجهاد فقال: «أحيٌّ والداك؟» قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد» متفق عليه.

وحينما ندرك كل ما تقدم، كان لزاماً أن ندرك أيضاً الإثم الحاصل من عقوق الوالدين، ومن عدم الإحسان إليهما، وهنا يخبرنا نبينا محمد ﷺ أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، والتي لا تغفر من رب العزة والجلال، إلا بالتوبة الصادقة الخالصة. قال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: " الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ..." متفق عليه, ومن صور عقوق الوالدين على سبيل الذكر لا الحصر ما يلي :-

عصيانهما، وعدم الالتزام بأمرهما.

البعد عنهما، وتركهما بدون سؤال ولا عناية.

إبكاؤهما وتحزينهما بقولك أو فعلك.

مزاولة المنكرات أمامهما، وإدخال الغضب بسببها

تقديم الزوجة عليهما فيما للوالدين دخل فيه.

أن يعتبر الابن أنه مساوٍ لأبيه.

أن يتعاظم الابن عن تقبيل يدي والديه، ولا ينهض لهما.

أن لا يُنسب إلى أبيه لحرج أو لغيره.

عدم النفقة عليهما، سواء قضت الحاجة أم لم تقض.

سبهما وشتمهما، وهذا من أكبر العقوق والمعاصي.

ومن أقبح العقوق أن يتمنى الولد زوال أبيه ليرثه إن كان غنياً، أو ليتخلص منه إن كان فقيراً، أو لينجو من مراقبته إن كان مؤدباً.

أن يمشي الابن أمام والده أو والدته أو يدخل مكاناً قبلهما.

أن يمد يديه على الصحن أو المزودة قبلهما.

أن ينظر إليهما بحدّة أثناء محادثتهما إياه.

أن يحرمهما ما يريدان حتى ولو لم يفصحوا عن ذلك.

إن المؤمن وهو يقرأ في حال السلف الصالح مع الوالدين فإنك ترى أصنافاً من الولاء للوالدين، وأنواعاً من التفاني لهما, قال أبو بكر بن عياش: ربما كنت مع منصور في منْزله جالساً، فتصيح به أمه، وكانت فظة غليظة، فتقول: يا منصور، يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى، وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع طرفه إليها, وكان حيوة بن شريح – وهو أحد أئمة المسلمين- يقعد في حلقته يعلّم الناس، فتقول له أمه: قم يا حيوة، فألق الشعير للدجاج، فيقوم ويترك التعلم, وقال ابن المنكدر: بات أخي يصلي، وبت أغمز رِجل أمي وما أحب أن ليلتي بليلته. وكان حجر بن الأدبر يلمس فراش أمه بيده فيتهم غلظ يده، فيتقلب عليه على ظهره، فإذا أمِن أن يكون عليه شيء أضجعها.

ختاماً ,,

أيها المضيّع لآكد الحقوق، المعتاض من بر الوالدين بالعقوق، الناسي لما يجب عليه، الغافل عما بين يديه، بِرُّ والديك عليك دين، وأنت تتعاطاه باتباع الشين، تطلب الجنة بزعمك، وهي تحت أقدام أمك.

ها هما بجوارك، قد بدأ المشيب عليهما، واحدوب منهما الظهر، وارتعشت الأطراف، لا يقومان إلا بصعوبة، ولا يجلسان إلا بمشقة، أنهكتهما الأمراض، وزارتهما الأوجاع والأسقام، فألِنْ جانبك لهما، وارع حقوقهما، وقبِّل رأسهما، واسكب الدمعة لعل الله يرحمهما، ويعفو عن تقصيرك في حقهما.

قال ﷺ : " بروا آباءكم تبركم أبناءكم " رواه الحاكم واعلم أنه كما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل.

حسين بن سعيد الحسنية

الأربعاء 23/01/1424هـ

بر الوالدين عند السلف الصالح

منصور بن محمد الشريدة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين...أمابعد :

فقد ظهر مؤخراً شباب وفتيات لايراعون حق أبويهم ولا يرونه لازماً , يرفعون أصواتهم على الأب والأم , خاصة بعدما كبرا وضعفا واقتربا من القبر واحتاجا إلى العطف والبر, أنكروا حقهما وجحدوا معروفهما , فكم سهرا لتنام وكم جاعا لتشبع وتعبا لترتاح , والبر هو خدمتهما وطاعتمها بالمعروف , ومن فضل الله تعالى أن بر الوالدين لا ينقطع عنهما أحياءً وأمواتاً..وقد ذكرت للموفق أثار نافعة للبررة وزاجرة للعققة وتركت الكثير منها.. وحقوق الوالدين أكثر من أن تحصى ولعل ما كتبت يكفي ويشفي اللبيب, فأجتهد في برهما...والله والمعين ونعم الوكيل.

1- قال ابن عباس : مامن مؤمن له أبوان فيصبح ويمسي وهو محسن إليهما إلا فتح الله له بابين من الجنة. وقال أبوالليث السمرقندي: لولم يذكر الله تعالى في كتابة حرمة عقوق الوالدين , ولم يوص بهما , لكان يُعرف بالعقل أن خدمتهما واجبة. وقال هشام بن عروة مكتوب في الحكمة: ملعون من لعن أباه , ملعون من لعن أمه.( ومعناها: أي يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه , فيصبح كأنه هو الذي لعنهما).

2- قال بعض الصحابة: ترك الدعاء للوالدين يضيق العيش على الولد. وقال كعب: إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقاً لوالديه ليعجل له العذاب , وإن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً ليزيد براً وخيراً. وقال أبوبكر بن أبي مريم قرأت في التوراة: من يضرب أباه يقتل. وكان محمد بن المنكدر يضع خده على الأرض , ثم يقول لأمه: ضعي قدمك على خدي.

3- كان محمد بن سيرين إذا اشترى لوالدته ثوباً اشترى ألين مايجد , فإذا كان عيد صبغ لها ثياباً , وما رفع صوته عليها, كان يكلمها كالمصغي إليها , ومن رآه عند أمه لايعرفه ظن أن به مرضاً من خفض كلامة عندها. وقال سعيد بن عامر: بات أخي عمر يصلي , وبت أغمز قدم أمي , وما أحب أن ليلتي بليلته. وكانت أم منصور بن المعتمر فظةً غليظةً عليه وكانت تقول: يامنصور يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى , وهو واضع لحيته على صدره , مايرفع طرفه إليها.

4- أراد كهمس العابد: قتل عقرب , فدخلت جحر فأدخل أصابعه خلفها فلدغته , فقيل له بذلك: قال: خفت أن تخرج , فتجيء إلى أمي تلدغها. وعن عبدالله بن عون: أن أمه نادته فأجابها فعلا صوته صوتها فأعتق رقبتين. وقيل أن بندار جمع حديث البصرة , ولم يرحل براً بأمه , ثم رحل بعدها.

5- قيل أراد أحمد الأبار الرحلة إلى قتيبة , فلم تأذن له أمه , ثم ماتت فخرج , فلما وصل إلى بلخ مات قتيبه , فكانوا يعزونه على هذا ,فقال: هذا ثمرة العلم , إني أخترت رضى الوالده. وقال الفضيل بن عياض تمام المروءة: من بر والديه , ووصل رحمه , وأكرم إخوانه. وقال علي رضي الله عنه: بر الوالدين من كرم الطبائع.

6- قال عبدالله بن عباس: كن مع الوالدين كالعبد المذنب الذليل للسيد الفظ الغليظ. وقال وهب بن منبه: بلغنا أن الله تعالى قال لعُزير عليه السلام: بر والديك , فإن من بر والديه رضيت , وإذا رضيت باركت , وإذا باركت بلغت الرابع من النسل. وسئل الحسن عن الوالد والوالده فقال: حق الوالد أعظم , وبر الوالدة ألزم.

7- كان الربيع بن خثيم: يميط الأذى عن الطريق ويقول هذا لأمي , وهذا لأبي. وكان علي بن الحسن: لايأكل مع والديه فقيل له في ذلك فقال: لأنه ربما يكون بين يدي لقمة أطيب مما يكون بين أيديهما وهما يتمنيان ذلك , فإذا أكلت بخست بحقهما. وقال سفيان بن عيينه في قوله عزوجل:(( أن اشكر لي ولوالديك )) من صلى الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه عقبهما فقد شكرهما.

8- عن أبي حازم: أن أباهريرة لم يحج حتى ماتت أمه. وسئل الحسن عن بر الوالدين؟ فقال: أن تبذل لهما ماملكت , وتطيعهما مالم تكن معصية. وسئل عطاء أن رجلاً أقسمت عليه أمه أن لايصلي إلا الفريضة ولايصوم إلا شهر رمضان؟ قال: يطيعها.

9- قال حميد: لما ماتت أم أياس بن معاوية: بكى , فقيل له: مايبكيك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة , وأُغلق أحدهما. قال عمر بن عبدالعزيز: لأبن مهران , لاتصاحب عاقاً، فإنه لن يقبلك وقد عق والديه. ( لأن حقهما أوجب حقاً منه عليه ). وقال علي رضي الله عنه: لوعلم الله شيئاً في العقوق أدنى من [ أف ] لحرمه. وقال أحد السلف: من عق والديه عقه ولده.

10- عن عون بن عبدالله قال: قال عبدالله: صل من كان أبوك يصله , فإن صلة الميت في قبره أن تصل من كان أبوك يصله بالدنيا. وعن الأشجعي أنه قال: كنا عند سفيان الثوري , فأقبل ابنه سعيد فقال: ترون هذا؟ ماجفوته قط , وإنه ليدعُوني في الصلاة غير المكتوبة فأقطعها له. وكان حجر بن عدي: يلمس فراش أمه بيده , فيتهم غلظ يده , فيتقلب عليه على ظهره فإذا أمن يكون عليه شيء اضجعها.

11- عن الحسن البصري: أن رجلا قال له: إني قد حججت وقد أذنت لي والدتي في الحج.. فقال الحسن: لقعدة تقعدها معها على مائدتها أحب إلي من حجك. وعن منصور بن المعتمر كان يقال: للأم ثلاثة أرباع البر. وقال عروة بن الزبير: مابر والديه من أَحَدَّ النظر إليهما. وكان مورق العجلي: يفلي رأس أمه.

12- كان كهمس : يعمل في الجص كل يوم بدانقين فإذا أمسى أشترى به فاكهة فأتى بها إلى أمه. وقيل لعمر بن ذر لما مات ابنه: كيف بره بك؟ قال: ما ماشيته قط بالنهار إلا مشى خلفي , ولا بالليل إلا مشى أمامي , ولا رقى سطحا أنا تحته. وقال بعض العلماء: رب ابناً بعيد لايفقد خيره, ورب ابناً قريب لايرجى خيره. وقال ابن عباس: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عزوجل من بر الوالدة.

13- قيل لأعرابي: ماتقول في ابنك , وكان عاقا ! فقال: بلاء لايقاومه الصبر , وفائدة لايجب عليها الشكر. وقال ابن عباس في قوله جل وعلا:(( أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير )) قال: فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه. وقال علي رضي الله عنه: من أحزن والديه فقد عقهما. وقال وهب بن منبه: في التوراة: على من صك والديه الرجم.

14- كان أبوحنيفة يُضرب كل يوم ليدخل في القضاء , فأبى ولقد بكى في بعض الأيام , فلما أطلق قال: كان غم والدتي أشد علي من الضرب. و رأى ابن عمر رجلاً يطوف بالكعبة حاملا أمه على رقبته , فقال: يا ابن عمر أترى أني جزيتها؟ قال: لا , ولا بطلقة واحدة , ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل الكثير. وقال بعض الحكماء: من عصا والديه لم يرا السرور من ولده.

15- قال وهب بن منبه: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: ياموسى وقر والديك , فإن من وقر والديه مددت له في عمره , ووهبت له ولداً يبره , ومن عق والديه قصرت عمره , ووهبت له ولداً يعقه. وقال ثابت البناني: أن رجلاً كان يضرب أباه في موضع , فقيل له: ماهذا؟ فقال الأب أتركوه , فإني كنت أضرب أبي في هذا الموضع فابتليت بابني يضربني في نفس هذا الموضع. وعن اضبغ بن زيد قال: إنما منع أويسا القرني أن يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بره بأمه.

16- قال ابن محيريز: من دعا أباه باسمه أو كنيته فقد عقه , إلا أن يقول: يا أبتِ. وقال سعيد بن جبير: لدغت فأمرتني أمي أن أناول الراقي يدي , فناولت الراقي اليد التي لم تلدغ. وقال مجاهد: لايدفع الولد يد والده عنه , بل يدعه يضع به ما يشاء. وقال الحسن: لا يعدل بر الوالدين لا حج ولا جهاد , ولا صدقة.

17- قال عثمان رضي الله عنه: ماقدرت أن أتأمل أمي منذُ أسلمت. وكان حارثة بن النعمان: يطعم أمه بيده , ولم يستفهمها كلاماً قط تأمر به حتى يسأل من عنده بعد أن تخرج: ماذا قالت أمي؟. وكان أبوهريرة إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته , فتقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته , فيقول: رحمك الله كما ربيتيني صغيراً , فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً , وإذا أراد أن يدخل صنع مثله.

18- قال سفيان بن عيينه: قدم رجل من سفر فصادف أمه قائمة تصلي , فكره أن يقعد وهي قائمة , فعلمت ما أراد فطولت ليؤجر. وقال بشر الحافي: الولد بقرب أمه بحيث تسمع نفسه , أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله عز وجل , والنظر إليها أفضل من كل شيء. وقال ابن عمر: بكاء الوالدين من العقوق. وقال الحسن: دعاء الوالدين للولد نجاة، ودعاؤهما عليه أستئصال وبوار.

19- رأى موسى عليه السلام رجلاً عند العرش فغبطه بمكانه فسأل عنه , فقالوا: نخبرك بعمله , لايحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله , ولايمشي بالنميمة , ولايعق والديه , قال أي رب ومن يعق والديه؟ قال: يستسب لهما حتى يسبان. وقال الحسن البصري: من عقل الرجل أن لا يتزوج وأبواه في الحياة. وقال رجل لعبيد بن عمير: حملت أمي على رقبتي من خرسان حتى قضيت بها المناسك , أتراني جزيتها؟ قال: لا , ولاطلقة واحدة.

20- قال ابن عباس في قوله تعالى:(( وبالوالدين إحسانا )) قال: لاتنفض ثوبك فيصيبها الغبار. وقال عطاء بن أبي رباح في قول الله تعالى:(( ولا تنهرهما )) قال: لا تنفض يدك عليهما وقل لهما قولاً كريماً. وقال عون بن عبدالله: النظر إلى الوالدين عبادة [ قلت: فكيف البُر بهما].

21- قال عمر رضي الله عنه لرجل قتل نفساً: والذي نفس عمر بيده لو كانت أمه حية فبرها وأحسن إليها , رجوت أن لا تطعمه النار. وقال رفاعة بن إياس: رأيت الحارث العكلي في جنازة أمه يبكي , فقيل له تبكي؟ قال: ولِمَ لا أبكي وقد أُغلق عني باب من أبواب الجنة. وكان ابن الحنيفية يغسل رأس أمه بالخطمي ويمشطها ويقبلها ويخضبها.

 

22- قال لقمان لأبنه: يابني إن الوالدين باب من أبواب الجنة , إن رضياعنك مضيت إلى الجنة , وإن سخطا حجبت. وسئل كعب عن العقوق؟ فقال: إذا أقسم عليه فلم يفعل , وسأله فلم يعطه.( للأسف بعض الناس عند أبويه كأنه هو المنعم المتفضل). وقال بشر: أرى للأب والأم أن يأخذا من مال أبنهم مايكفيهم , إذا كانا محتاجين.

23- قال جعفر سمعت عروة بن الزبير يقول في سجوده:اللهم أغفر للزبير بن العوام ولأسماء بنت أبي بكر. وقال ابن عباس: ليس شي أحط للذنوب من بر الوالدين. وقال يونس بن عبيد: يرجى للذي به رهق إذا كان باراً , وكان يتخوفون على أعماله إذا كان عاقاً. وقال بعض السلف: أفضل النفقة نفقة الرجل على والدية.

24- قال عطاء: لا يؤم الرجل أباه وإن كان افقه منه. وقال القيسي: قلت يا أباهريرة , إن الجهاد قد فضله الله وإني كلما رحلت راحلتي جاء والداي فحطا رحلي قال: هما جنتك فأصلح إليهما ثلاثا. وقال مجاهد: دعوة الوالد لاتحجب دون الله تعالى.

25- سئل رجل ابن عباس فقال: أني نذرت أن أغزوا الروم وإن أبواي يمنعاني؟ قال: أطع أبويك , فإن الروم ستجد من يغزوها عنك. وقال الحسن: لاتقطع من كان أباك يصله فيطفأ بذلك نورك. وقال سعيد بن المسيب: إن الرجل ليُرفع بدعاء ولده بعده , ثم قال بيده هكذا فرفعها.

26- قال رجل لكعب: أحتسب عند الله ما فاتني من بر الوالدين , قال لم يفتك برهما , أستغفر لهما , وأجعل لهما حظا من طاعاتك , تكن من الابرار إن شاء الله. وعن الحسن أن رجلاً سأله: آمر والداي وأنهاهما؟ قال: إن كرها ذلك فلا. وقال رجل لمعاذ بن جبل: ماحق الوالدين على الولد؟ قال: لو خرجت من اهلك ومالك ما أديت حقهما.

27- كان حيوة بن شريح: يقعد في حلقته يعلم الناس , فتطل له أمه , وتقول له: قم ياحيوة فالق الشعير للدجاج , فيقوم ويترك التعليم. وقيل: من لم يبر أبويه في حياته , لم تبك عيناك على وفاته. وقيل لمعاوية بن قرة: كيف أبنك معك؟ قال: نعم الأبن كفاني أمر دنياي , وفرغني لآخرتي. وكان أبوهريرة يحمل أمه معه إلى المرافق وينزلها عنه , وكانت مكفوفة كبيرة.

28- كان الزبير بن هشام باراً بابيه , إن كان ليرقى إلى السطح في الحر فيؤتى بالماء البارد فإذا ذاقه فوجد برده لم يشربه وأرسله إلى أبيه. وقال الامام أحمد: بر الوالدين كفارة الكبائر. وعن عروة في قوله تعالى:(( وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة )) قال: لاتمتنع من شيء أحباه. وقال أبوهريرة: ترفع للميت بعد موته درجته , فيقول: أي رب أي شيء هذه؟ فيقال: ولدك أستغفر لك.

29- قال الحسن البصري: دعاء الوالدين ينبت المال والولد. وقال يزيد بن أبي حبيب: إيجاب الحجة على الوالدين عقوق [ أي الانتصار عليهما بالكلام ]. وقال الحسن: للوالدة الثلثان من البر , وللوالد الثلث. وقال علي بن أبي طالب: العجب كل العجب , من عاقل يعق والديه بعد قراءته سورة لقمان , وقد قرنهما الله تعالى بنفسه.

30- قال كعب: من البر أن تبر من كان أبواك يبرانه. وسئل الحسن في الرجل تقول له أمه أفطر؟ قال: ليفطر وليس عليه قضاء , وله أجر الصوم والبر. [ المقصود به صوم التطوع ]. وقال محمد بن سيرين: كنا عند أبي هريرة ليلة , فقال: اللهم أغفر لأبي هريرة ولأمي ولمن أستغفر لهما , قال محمد: فنحن نستغفر لهما حتى ندخل في دعوة أبي هريرة.

31- قال الشافعي: لو كنت مغتاباً أحد لأغتبت أمي فإنها أحق الناس بحسناتي. وقال عامر بن عبدالله بن الزبير: مات أبي، فما سألت الله - حولاً - إلا العفو عنه. وقال ابن عباس: من نظر إلى أباه شزرا فقد عقه.

أبوعصام/منصور بن محمد الشريدة 

No comments:

Post a Comment